بقلم: طلال عوكل

التطورات التي وقعت في متن هذا الأسبوع، تضع العقل في الكفّ كما تقول الأمثال الشعبية، فإما علينا أن نعيد النظر في قراءاتنا ومعارفنا السابقة، وتجاربنا التي تمتد لعقود طويلة، وإما أن "الإسلام السياسي" لديه نظرياته الخاصة في العلوم السياسية، وفي فهم التناقضات الرئيسية والثانوية وفي ممارسة التكتيك السياسي عموماً.

 

الموقف الذي أعلنه الرئيس الإخواني المصري محمد مرسي، إزاء قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع سورية كدولة، وانحيازه الواضح لصالح المعارضة، التي يفترض أنها تمثل تطلعات ومصالح الشعب السوري، وتحذيره الواضح لحزب الله، هذه المواقف طرحت مباشرة وعلى ألسنة العامة من الناس سؤال الأولوية في السياسة الخارجية. كان السؤال الذي يتبادر سريعاً إلى الذهن وتلقفته أجهزة الإعلام المضادة لحكم الإخوان المسلمين في مصر هو لماذا لم يبادر الرئيس مرسي إلى قطع العلاقات مع إسرائيل التي تشكل عدواً لدوداً لكل العرب والمسلمين، وتحتل أرضهم وتصادر حقوقهم، وتواصل العدوان والعربدة على كل من يقول لا إله إلاّ الله؟

 

السؤال وجيه جداً، خاصة وأن التعبئة الداخلية والخارجية لجماعة المسلمين تركز كل الوقت على رفض كامب ديفيد، وقد ذهب الرئيس المصري الراحل أنور السادات ضحية ما فعل، وتركز على العداء للإمبريالية والاستكبار العالمي وعلى الرفض المطلق لوجود إسرائيل من أساسه.

 

في شهر تشرين الثاني الماضي شنت إسرائيل حرباً بشعة على غزة التي تديرها حركة حماس وهي الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان العالمية، فلماذا اكتفى الرئيس مرسي بقرار استدعاء السفير المصري من تل أبيب، والطلب من السفير الإسرائيلي مغادرة القاهرة، وكان ذلك لفترة وجيزة ثم عادت الأمور إلى مجاريها.

 

لماذا لم يتخذ الدكتور مرسي قراراً، وفرت له إسرائيل كل مبرراته، لقطع العلاقات معها، أو لتجميد ولا نريد أن نقول إلغاء اتفاقية كامب ديفيد التي توقف الحديث عن الحاجة لإدخال تعديلات عليها؟

 

أية دوافع، وأية أهداف تقف وراء قرار من هذا المستوى الذي يثير غضب الجماهير المصرية والعربية، فيما مصر تعاني اضطرابات داخلية شديدة وتنتظر تصاعد هذه الاضطرابات خلال الأيام القليلة القادمة، وعلى المستوى الخارجي تواجه المخاطر الاستراتيجية الناجمة عن قرار اثيوبيا بإقامة سد النهضة، هذا القرار المدعوم إسرائيلياً، والذي خططت للحظة اتخاذه الدوائر الإسرائيلية منذ زمن بعيد؟

 

هل يعزز هذا القرار دور مصر الإقليمي، الذي فقدته خلال عقود سابقة من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، أم أنه مجرد إعلان اصطفاف وخيار في ظل التناقض الأميركي الروسي على المصالح في المنطقة والذي يأخذ شكل تناقض المواقف مما يجري في سورية؟ هل هذا الموقف يعزز الاتجاهات التي تدفع نحو بلورة تيارين مذهبيين في الإقليم بين تيار إسلام سياسي شيعي وآخر سني، بعد أن تكسرت وتغيرت معادلات التمحور حول الممانعة والاعتدال؟

 

وإذا كان سيل الأسئلة لا يتوقف بحثاً عن إجابات لا نظن أنها ستأتي بسبب سياسة الغموض، والاستهبال السياسي، ومنطق التقية فإن هذه الأسئلة أو بعضها تمتد إلى حركة حماس. واضح أن الرئيس مرسي يتصرف بقرارات وسياسات مدروسة من قبل جماعة الإخوان حيث نعلم ويعلم الجميع، أنه لا يمكن الفصل بين مرسي الرئيس ومرسي القائد المتقدم في الجماعة، فإن قرارات الجماعة تنسحب على حركة حماس باعتبارها الفرع الفلسطيني لهذه الجماعة، ولذلك جاء بيان الحركة بعد إعلانات مرسي، لتطالب حزب الله بالانسحاب من سورية، ولتوجيه قدراته العسكرية نحو إسرائيل. في الواقع فإن الشيخ العلامة القرضاوي كان قد شيطن حزب الله، وهو بذلك كان قد مهد الطريق أمام تصعيد المواقف على النحو الذي نلاحظه.

 

السؤال الموجه لحزب الله بالانسحاب من سورية، رغم أن في تدخله ما يشير إلى مصلحة للحزب، على اعتبار أن لبنان يشكل الحديقة الخلفية لسورية، ولأنه من المتوقع أن يكون لبنان أول ضحايا التداعيات التي تنتظر الصراع في سورية، هذا السؤال مردود على قوى كثيرة ومنها وفي مقدمتها مصر وسورية، والأردن، والمعارضة الأردنية، وحتى على بعض القوى السياسية الفلسطينية.

 

واضح أن بيان "حماس" بعد قرارات مرسي وتحذيراته ستؤدي إلى كسر الجرّة مع حزب الله ومع إيران بعد أن تم كسر الجرّة مع النظام السوري الرسمي، وان كل هذا من شأنه أن يعمّق الأزمة الموجودة بين مصر وإيران من ناحية، و"حماس" وإيران من ناحية ثانية، وربما يترك قدراً من التناقض داخل حركة حماس التي تشهد اختلافاً في المواقف إزاء العلاقة مع إيران.

 

في مقال سابق تحدثت عن أبعاد الانقسام الفلسطيني على الفلسطينيين وضربت على ذلك مثلا، من خلال مواقف الجبهة الشعبية القيادة العامة المنحازة للنظام في سورية، ومواقف "حماس" المعادية للنظام، والمنحازة للمعارضة، وعلى اعتبار أن هذا التناقض في المواقف يجعل الفلسطينيين ضحية غضب الطرفين المعارضة والنظام. في هذه المرة لا يمكن لموقف "حماس" التصعيدي من حزب الله، أن يمر هكذا بدون أن يترك آثاراً وتداعيات على الوجود الفلسطيني في لبنان. بإمكان "حماس" كحركة فلسطينية ذات امتداد عقائدي وتنظيمي وسياسي أن تتخذ ما تشاء من المواقف التي تنسجم مع برنامجها وأهدافها وتطلعاتها، فهذا حق طبيعي لكل حزب أو حركة سياسية، ولكن دون أن يتجاوز هذا الحق المصالح العامة للشعب الفلسطيني، وبدون أن يضطر الشعب لدفع أثمان باهظة.

 

والآن هل ستعمق هذه المواقف الانقسام الجاري، حيث يصبح لكل من طرفيه، اصطفافاته، وتحالفاته ومحاوره؟ هل نستطيع في ظل الحرب الإسرائيلية المفتوحة بكل الأشكال والأساليب على الفلسطينيين وأرضهم وحقوقهم أن نمارس ترف السياسة والتكتيك؟

 

والسؤال الأخير هو هل التحذير أو النصيحة التي توجهها "حماس" لحزب الله بأن يوجه طاقاته نحو إسرائيل، هذا يعني أن حزب الله لم يعد قوة مقاومة لإسرائيل، وهل عشرات آلاف الصواريخ التي يكدسها الحزب في لبنان تم جلبها من أجل الانتصار على الحريري وجعجع؟