بقلم: يحيى رباح

شاركت يوم أمس الأربعاء في الندوة التي دعا إليها منتدى رسالة للفكر والحوار في مقره في مدينة رام الله بالاشتراك مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم حول دور المؤسسات النقابية الوطنية كرافعة للقضية الفلسطينية، وذلك لمناسبة الإنجاز الذي حققته نقابة الصحفيين في المؤتمر الدولي الذي عقده الاتحاد الدولي للصحفيين في دبلن.

 

الحوار من المشاركين ركز على المقارنة بين دور النقابات الوطنية وفي مقدمتها اتحاد العمال واتحاد المرأة واتحاد الطلاب التي شكلت قاعدة للعمل الوطني سبقت قيام منظمة التحرير الفلسطينية كما سبقت انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة!!!

 

ولماذا العمل الثقافي النقابي الفلسطيني يمر هذه الأيام بدرجة عالية من الانكماش وقلة الفعالية على نحو ما؟؟؟

 

النقابات الوطنية الفلسطينية كانت هي الروافد الأكثر فاعلية وديمقراطية التي أمدت منظمة التحرير بشرعيتها العملية على الأرض، حيث كانت تلك النقابات هي التي تمد المجلس الوطني بممثليها المنتخبين، وكانت هي التي تشكل قواعد التواصل مع الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده وانتشاره وشتاته القسري!!!

 

بالإضافة إلى أنها وفرت للشعب الفلسطيني حضوراً في الذاكرة العالمية ومشاركة في الوجود السياسي!!!!

 

ذلك أن القضية الفلسطينية تتمتع بعنصر عدالة فريد، ولكن هذه العدالة والمظلومية على المستوى الإنساني بحاجة دائمة إلى أوعية وحواضن وإطارات تصل بها إلى كل مكان في العالم.

 

السؤال الذي طرح في الندوة، كشف عن اشكالية يشعر بها الجميع، وهذه الإشكالية تتمثل في حالة من الانطفاء النسبي والقصور في حيوية وفعالية وحضور هذه النقابات الوطنية، بينما نحن الآن في قلب الوطن، وأكثر اعترافاً على المستوى السياسي عالمياً، وهناك وعي أكثر بالذات على مستوى الجماعة الوطنية الفلسطينية، فأين هو الخلل وما هو العلاج؟؟؟

 

الحقيقة أن هناك بعض الاختلاط في المفاهيم في السنوات الأخيرة، لأن القانون البديهي والمسلم به أن الوطنية الفلسطينية هي التي عبرت عن نفسها ووضعت كل الإطارات والأشكال السياسية والاجتماعية والنقابية والثقافية الدالة عليها، وليست هذه الاطارات التي خلقت الوطنية الفلسطينية!!!

 

فالحركة الوطنية الفلسطينية بكل أحزابها التي انطلقت في الخمسينيات رداً على النكبة هي من صنع ومن انتاج الوطنية الفلسطينية، والمعارك الضارية التي أسقطت مؤتمرات التوطين هي من إنجاز الوطنية الفلسطينية، والمجلس الوطني الأول الذي عقد في مدينة القدس وأنتج منظمة التحرير الفلسطينية هو من انجاز الوطنية الفلسطينية، والثورة الفلسطينية المعاصرة هي من انجاز الوطنية الفلسطينية.

 

فإذا حدث أن كل هذه الانجازات الكبرى أصابها بعض الخلل أو الارتباك بسبب عوامل التعرية في الزمن السياسي المتغير، فإننا يجب ان نعود دائماً إلى المنبع الأول، إلى القاعدة الأصلية، وهو منبع الوطنية الفلسطينية المكون من عدالة القضية، واستمرار المظلومية والمعاناة، واستمرار الاحتياج الشديد لنا موضوعياً من قبل الأمة العربية والإسلامية، لأن الأمم لا تعيش إلا بقضايا كبرى، وليس هناك أكبر من قضيتنا الفلسطينية، ولدينا البرهان الفاقع أمام اعيننا، فقد حاول الاسلام السياسي بتواطؤ مع القوى الدولية ومع إسرائيل أحياناً تزييف الأولويات، وخلق بدائل عن القضية الفلسطينية، ولكن الفشل الذريع والسقوط المدوي كان من نصيب الإسلام السياسي الذي نشاهد مأزقه القاتل هذه الأيام.

 

لابد من محاولات جسورة، خارج الحسابات الصغيرة، لإعادة إحياء صيغ التفاعل في مجال الوطنية الفلسطينية، فالعودة إلى الأصل، إلى المنبع الأول، إلى نجمة الهداية الأولى حين يرتبك الطريق أمام أنظارنا وتحت أقدامنا، وكل ذلك يتمثل في القضية الفلسطينية الذي ربما يكون ما انجزته قد استنفد وقته وفي امكانها أن تنبثق في الحياة من جديد.