بعد 5 شهور من اشتعال نيران حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب العربي الفلسطيني في قطاع غزة، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن في 7 مارس الماضي عن إقامة رصيف مائي على سواحل مدينة غزة بعد التنسيق مع إسرائيل وأخذ موافقة حركة حماس وابلاغها الأمم المتحدة نيتها ببناء الميناء البحري، بذريعة إدخال المساعدات الإنسانية للسكان الفلسطينيين. ونقلت آلاف الأطنان من المباني المدمرة نتاج القصف الوحشي الصهيو أميركي والمغمسة بجثث ودماء أبناء الشعب الفلسطيني، ولم تحاول الشركات المتواطئة مع الجيش الأميركي والمرتبطة بحماس من جهة، ومع إسرائيل من جهة أخرى إخراج رفات الشهداء من تحت الأنقاض، وإعادة دفنها كما يليق بالشهداء الأكرم منا جميعًا. 
وكما يعلم الجميع أن الإدارة الأميركية وحلفائها من الغرب منذ 7 أكتوبر 2023 وهي تضخ السلاح عبر جسور جوية وبحرية لإسرائيل، وجاءت بحاملات طائرتها وغواصاتها وبوارجها وجنودها مع حاملات طائرات فرنسية وبريطانية وبوارج العديد من الدول الأوروبية، وشنت هجمات جوية وبحرية وبرية متواترة ومتتالية والقت حمم قنابلها وصواريخها من الاوزان المختلفة، وقتلت وجرحت عشرات الالاف من الأطفال والنساء والشيوخ وذوي الاحتياجات الخاصة ودمرت مئات الاف من الوحدات السكنية، وسحقت معالم الحياة الإنسانية بأبسط حدودها، بتعبير أوضح وأدق لو كانت واشنطن معنية بإدخال المساعدات الإنسانية للمواطنين في محافظات غزة، كان بإمكانها إلزام دولة إسرائيل اللقيطة بإدخال المساعدات الإنسانية من الممرات البرية جميعها من الجنوب والوسط والشمال، ولأوقفت نيران حرب الإبادة فورًا وبشكل دائم، كانت بدل إقامة جسر جوي وبحري لإمداد إسرائيل بأسلحة الدمار الشامل، حملت صناديق المساعدات الغذائية والتموينية والأدوية والمستلزمات الطبية والوقود للمواطنين الفلسطينيين، لأن هدفها إبادة الشعب الفلسطيني مع اداتها الوظيفية إسرائيل.


مع ذلك واصل البيت الأبيض حملة التضليل والخداع للرأي العام الأميركي والعالمي والفلسطيني بقصة بناء الرصيف البحري، الذي انتهى العمل فيه في 17 مايو السابق، بتكلفة تقدر ب320 مليون دولار أميركي. بيد أن الإدارة الأميركية أعلنت في 28 مايو الماضي، أي بعد 11 يوم فقط من تشغيله، عن وقف العمل به، ونقله لميناء اسدود الإسرائيلي لإصلاحه، بعدما إنهار نصفه تقريبًا، وسحبته أمواج البحر بسبب سوء الأحوال الجوية الى ميناء أسدود. 
ولم يعد خافيًا على أحد، أن للميناء أهدافًا خبيثة وتآمرية تستهدف الشعب العربي الفلسطيني ومصالحه الوطنية، ومنها أولاً تأمين ممر لتهجير السكان الفلسطينيين للعديد من الدول الأوروبية والأميركية اللاتينية، التي وافقت على نقل السكان لها، بعد إغلاق منافذ الحياة بحدودها الدنيا، وبعدما رفضت مصر والأردن فكرة التهجير إلى سيناء أو إلى الصحراء الأردنية؛ ثانيًا التأسيس لبناء قاعدة عسكرية بحرية على شواطئ غزة لتحقيق أكثر من هدف:

1- السيطرة على منابع النفط والغاز في المياه الإقليمية الفلسطينية، 2- الاسهام بتحقيق الأهداف الإسرائيلية الأميركية من إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين، وتجفيف منابع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، 3- استبدال معبر رفح البري الفلسطيني المصري بالمعبر المائي، وتقليص الحضور والدور المصري في المسألة الفلسطينية على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، 4- تعزيز مكانة الوجود الأميركي في البحر المتوسط، ووضع القاعدة العسكرية في مواجهة قاعدة حميميم الروسية في جنوب شرق اللاذقية السورية؛ ثالثًا التغطية على قيادة الولايات المتحدة الأميركية دفة حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في القطاع، وللإيحاء انها معنية بحياة أبناء الشعب الفلسطيني.


بالنتيجة النهائية، خيرًا فعلت الأجواء المناخية السيئة، مع كشفها عن هشاشة وضعف الرصيف المائي، وسحبت أمواج البحر نصفه إلى ميناء أسدود، ثم نقلته كليًا القوات الأميركية إلى هناك: وكأن ما حصل هو حكمة ربانية، أو الصدفة الضرورة التي شاءت تكريس حقيقة دامغة، أن مكان الرصيف هناك في أسدود. لا سيما وأن إسرائيل تمثل القاعدة العسكرية والأمنية والسياسية الأميركية والغربية عمومًا الأكبر في الشرق الأوسط، لكن الاستنتاج الأهم الخارج عن الصندوق يشي، بأن الدولة العميقة الأميركية تزداد في أوساطها القناعة باقتراب نهاية الدور الوظيفي الإسرائيلي في الإقليم، لذا تستبق الأمور بالتأصيل لحضورها اللاحق في الدولة الفلسطينية، التي باتت حقيقة دامغة، رغم كل المؤامرات. إذاً الرصيف المائي الأميركي مكانه الطبيعي في إسرائيل، وليس في غزة، وعليه خذوا رصيفكم أو ميناءكم وجيش ومرتزقة إسرائيل النازية واغربوا عن ديارنا ووطننا ومياهنا الإقليمية. فلا مكان لكم بيننا، لأنكم ستخسروا كثيرًا إن أصريتم على البقاء.