في تطوّر خطير يأتي قبل خمسة أشهر تقريبًا من بدء إنطلاق الانتخابات الرئاسية التي يسعى من خلالها للعودة إلى مقعده في البيت الأبيض. أدانت هيئة المحلّفين "هويتهم سرية" في مانهاتن – نيويورك، الرئيس السابق، دونالد ترامب، بكلّ التّهم الـ34 الموجّهة إليه في قضية تزوير السجلات التجارية وإخفاء دفعه أموال بقيمة 130 ألف دولار لشراء صمت ممثّلة أفلام إباحية، كان على علاقة بها خلال العام 2006. وحدد القاضي خوان ميرشان، موعدًا للنطق بالحكم يوم 11 تموز/ يوليو بعد أن أصدرت هيئة المحلفين حكمها عقب انتهاء الجلسة.

ترامب الذي ظهرت عليه علامات الغضب، وبعد دقائق من خروجه من قاعة المحكمة بدون كفالة، سخر من التهم الموجهة إليه وعلق على الحكم بأنه "وصمة عار".
وقال: أنها محاكمة مزورة، مؤكداً بأن الحكم الحقيقي سيأتي من الناخبين في الانتخابات الرئاسية القادمة يوم 5 نوفمبر، موجهًا حديثه لأنصاره "إنقذوا أميركا".
وفي أول رد له على قرار هيئة المحلفين، قال محامي ترامب لقناة CNN: أن عقوبة السجن ستكون غير نمطية في قضية مثل هذه التهمة، تعتمد على سابقة، ويجب ألا يواجه شخصًا مثل الرئيس ترامب البالغ من العمر 77 عاماً أبدًا عقوبة السجن بناءً على هذا السلوك. بينما أصدرت حملة بايدن بيانًا قالت فيه: أن المحاكمة أظهرت أنه لا أحد فوق القانون.

من ناحيةً، على الرغم من التوقعات أن النطق بالحكم يوم 11 تموز القادم، لن يتضمن السجن الفعلي لترامب، وفقًا لفقهاء القانون باعتباره مجرمًا لأول مرة ومن غير المرجح أن يذهب وراء القضبان. إلا أن القضية بحد ذاتها سترفع حدة المنافسة الشديدة إلى مستويات أعلى في الأشهر القليلة المتبقية نحو سباق مقعد الرئاسة الأميركية 2024. ومن المتوقع أن يُسخرها ترامب – الذي سجل فوزًا ساحقًا على منافسه الرئيس الحالي بايدن في استطلاعات الرأي الأخيرة في ساحات القتال في الولايات المتأرجحة الحاسمة، في تعظيم مكاسبه الممزوجة بصيحات ضحايا "الإقصاء السياسي".

عملياً، في الحالة غير المتوقعة، بـ "نعم" التي يحكم فيها القاضي ميرشان عليه بالسجن الفعلي "4 سنوات على كل تهمة"، إلا أن ذلك لا يمنع ترامب من مواصلة ترشيحه لمقعد البيت الأبيض، نظرًا إلى أن القضية غير مرفوعة من محكمة فدرالية. وهي أخبار مواتية لأنصاره من حزب MAGA الشعبوي، الذين يرون فيه قائدًا مخلصًا من الاستبداد ولن يتأخروا في تجديد الثقة وتأكيد ترشيحه رسمياً في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري المقرر تنظيمه بعد أربعة أيام من تاريخ جلسة النطق بالحكم النهائي، لقطع الطريق أمام المحاولات الهادفة لإعاقة سباق العودة إلى البيت الأبيض من قبل الديموقراطيين.

وسط هذا الجدل، فإن إدانة ترامب باتت تدفع المشهد السياسي المختنق أصلاً بين الديموقراطيين والجمهوريين وربما الولايات الأميركية برمتها إلى منطقة سياسية محفوفة بالمخاطر وقد تبدأ القطع بالسقوط والتناثر. الأمر الذي سبق وأن حذر منه ترامب في أكثر من مناسبة منذ "إقصائه" من البيت الأبيض في انتخابات 2020 بمؤامرة سياسية من الدولة العميقة، وفق تعبيراته، منتقداً ما أسماه "مطاردة الساحرات" من قاضي متحيز فاسد سياسياً، ينتهك حقوقه المدنية في مشهد يحاكي محاكمات المعارضة في البلدان الاستبدادية و"جمهوريات الموز".

محاولاتُ الحزب الديموقراطي ضرب الرئيس ترامب استباقياً عبر إلحاق الهزيمة به في قاعات المحاكم بدلاً من صناديق الاقتراع، أمرٌ من المرجح أن لا يقبله ترامب. وعلى الرغم من عدم أهمية القضية الجنائية أمام القضايا الكبرى التي يواجهها الشعب الأميركي، خاصة الوضع الاقتصادي السيء والانقسامات الحزبية الداخلية، إلى جانب السياسة الخارجية الفاشلة بما فيها الدعم غير المشروط للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة وعموم أراضي دولة فلسطين، والتي وضعت الديموقراطية الأميركية المزعومة في مأزق خطير أمام معظم دول العالم الحر. إلا أن إحتمالية خسارة ترامب للعديد من أصوات الناخبين المترددين أو المستقلين على الهوامش الانتخابية، أمر وارد في حال تم تثبيت الإدانة الجنائية بشكلها النهائي.

يرى أنصار ترامب أن إدانة زعيمهم هي حجة إضافية على فساد قادة السياسة وصناع القرار في الولايات المتحدة، بهدف إقصائه ودفعه خارج مسار سباق الرئاسة باعتباره خطراً على سياساتهم، وهو ذات الرأي الذي يراه ترامب. وفي سياق هذه القناعات الراسخة لأنصاره فإنهم لن يقبلوا طي الصفحة بلا ثمن، وأن رفض نتائج الانتخابات الرئاسية القادمة في حال لم يكن ترامب هو الفائز أمرٌ بات من شبه المؤكد. هذه الحقائق كافية لإبقاء الأمور مرشحة أكثر نحو كل الاحتمالات بما فيها، إندلاع احتجاجات مسلحة ومواجهات محتملة تؤسس لحرب أهلية، بالتزامن مع اعلان استقلال متوقع  للولايات التي يحكمها الجمهوريون عن الاتحاد الفدرالي الأميركي.

إن محاولات الديموقراطيون إغراق الخصم الجمهوري بكل الوسائل، والردود غير المتوقعة من قبل ترامب وأنصاره، قد تكون أفضل وصفة لمنح التاريخ الإذن بكتابة السطر الأخير في عهد الإمبراطورية الأميركية، "إمراة هزت عرش أميركا".