مجددًا تعود الكنيست الإسرائيلية لفتح نيران حربها المتواصلة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا"، حيث صادق الكنيست يوم الأحد 26 مايو بالقراءة التمهيدية على مشروع قانون لقطع العلاقات معها، وإعلانها منظمة "إرهابية". ولم تكن هذه الخطوة الاجرامية تجاه إحدى مؤسسات الأمم المتحدة الرئيسية، وذات المصداقية والكفاءة العالية في تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والتربوية واللوجستية للاجئين، التي تُعنى بشئون اللاجئين الفلسطينيين، والشاهد الرئيس على نكبة وطرد وتهجير نحو مليون فلسطيني في 1948 عشية وبعد الإعلان عن تأسيس دولة إسرائيل اللقيطة على أنقاض مأساة الشعب العربي الفلسطيني، منعزلة عن سياق التطورات العاصفة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. 
ورغم أن الهدف من وراء تأسيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين في ديسمبر 1949 كان يستهدف تحويل قضية اللاجئين والشعب الفلسطيني عمومًا لقضية إنسانية، ولقطع الطريق على استقلال الدولة الفلسطينية استنادًا إلى ذات القرار الاممي 181، الذي قامت إسرائيل على أساسه، إلا أن رفض القوى السياسية الفلسطينية والعربية والأممية المناصرة لحقوق الشعب الفلسطيني لتصفية القضية، وتمكن الثورة الفلسطينية المعاصرة من استعادة زمام المبادرة في إعادة الاعتبار للبعد السياسي والقانوني وفق قرارات الشرعية الدولية، وتحقيق سلسلة طويلة من الإنجازات من خلال استصدار عددٍ من القرارات الأممية الداعمة للحقوق الوطنية، وتعاظم ثقل الكفاح الفلسطيني التحرري، واتساع وزيادة التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والعودة، الأمر الذي أثار سخط وغضب الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ومن خلفها الولايات المتحدة الأميركية، التي ولجت منعطفًا خطيرًا تجاه الأونروا بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق ترامب عن أولى خطواته المرفوضة والمدانة من صفقة القرن المشؤومة، مع اعترافه بالقدس عاصمة فلسطين الأبدية، عاصمة لإسرائيل، وفي السياق تم تكثيف الهجوم على ملف اللاجئين الفلسطينيين، وسعى مع إسرائيل النازية على تقليص عدد اللاجئين من 6 ملايين لاجئ إلى نحو 40 ألفًا فقط. 


ويأتي مشروع القرار الجديد في أعقاب فشل وانكشاف كذبة دولة الاستعمار الإسرائيلية الفاشية، التي ادعت في زمن حرب الإبادة الجماعية على أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إن 12 موظفًا فلسطينيًا من الأونروا شاركوا في هجوم 7 أكتوبر 2023، مما دعا الدول الغربية على إعادة تمويل الوكالة الأممية، ومع اتساع الدعم والتأييد الدولي لحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، وفشل المنظمات البديلة التي سعت الإدارة الأميركية لإحلالها مكان الأونروا، وبعد فشل هدف التهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين خلال الشهور ال8 من الحرب الهمجية، التي أودت بحياة ما يزيد عن 36 ألف شهيد و81 ألف جريح وما يزيد عن 10 آلاف مفقود، فضلاً عن التدمير الهائل لما يفوق ال80% من الوحدات السكنية وتدمير الجامعات والمدارس وأماكن العبادة وإخراج الغالبية العظمى من المستشفيات والمراكز الصحية عن الخدمة وغيرها من الويلات التي أصابت الشعب الفلسطيني. 
كما أن الجريمة الإسرائيلية الجديدة ضد الوكالة الأممية ليست جديدة بالمعنى الدقيق للكلمة، إنما هي قديمة قدم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن تكثيف الهجوم عليها في هذه اللحظة السياسية، واتهامها ب"الإرهاب" لم يكن من باب الصدفة المحضة، بل عن سابق تصميم وإصرار، حيث يأتي مع هدف مركزي لحكومة الإبادة الجماعية بقيادة نتنياهو المتمثل بتصفية القضية الفلسطينية ولقطع الطريق على الحل السياسي، وتهجير الشعب الفلسطيني من فلسطين التاريخية كلها لمنع قيام واستقلال دولة فلسطين، التي باتت حقيقة راسخة في أوساط المجتمع الدولي الرسمي والشعبي.

   
إذاً عملية استهداف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأممية، وذات الابعاد الإنسانية، التي تعمل وفق قرارات وقوانين الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لصيق الصلة بكل ما تقدم من عوامل صبت في صالح الأهداف الوطنية الفلسطينية المنسجمة والمتوائمة مع الشرعية الأممية. بيد أن مشروع القرار الجديد القديم سيفشل ويهزم، كما فشلت كل مشاريع التوطين والتهجير القسري او الطوعي، لأن الشعب العربي الفلسطيني متجذر ومتمسك بترابه الوطني وحقوقه السياسية والقانونية، وبدفاعه المستميت عن تلك الحقوق وبدعم الرأي العام العالمي وأنصار السلام في العالم. 
وتداعيات هذا المشروع الصهيوني الخطير تتمثل في تعمق ازمات إسرائيل، وتوسيع دائرة عزلتها الدولية، ويضاعف من انكشاف ظهرها كدولة نازية وعنصرية تهدد الأمن والسلم الدوليين، وليس في الإقليم فقط، ويؤكد لدول العالم ان دولة الإرهاب الإسرائيلية المنظم لا تقبل القسمة على عملية السلام، مما سيرتد إلى نحورها، ويكشف عن إفلاسها وبؤس مآلها.