تتميّز الانتخابات التشريعية التي تُجرى في جنوب إفريقيا بدورتها الحالية عن سابقاتها مُنذ 30 عاماً، فقد أظهرت الانتخابات التي جرت يوم الأربعاء نسبة مشاركة كثيفة من بين الناخبين البالغ عددهم 27.6 مليون ناخب، وهي الأعلى عمّا سبقها من الدورات الخمس التي جرت مُنذ العام 1994، بعد نيل البلاد الاستقلال، والتي بلغت في دورة العام 2019، ما نسبته 66%.
وما زالت لجنة الانتخابات تُشرف على فرز أصوات المُقترعين في المناطق الـ9، نظراً إلى كثافة المُشاركين بالإدلاء بأصواتهم، وهو ما أدّى إلى إبقاء مراكز الاقتراع مفتوحة مع انتهاء التصويت، وانتظار الناخبين بصفوف طويلة حتى ساعة مُتأخّرة من الليل.
ومنح القانون إلى لجنة الانتخابات مهلة 7 أيام لتُعلن النتائج، لكن يُتوقّع أنْ يتم ذلك يوم الأحد المُقبل، حيث سيتم اختيار 400 عضو للبرلمان من بين 50 قائمة، على أنْتنتخب الجمعية الوطنية الجديدة رئيس البلاد في حزيران/يونيو المُقبل، لولاية مُدّتها 5 سنوات.
أهمُّ ما يُواجِه هذا الاستحقاق عن سابقاته هو أنّ "حزب المُؤتمر الوطني" الإفريقي، الذي قاده نيلسون مانديلا، وأوصله إلى سُدّة الحكم مُنذ العام 1994، بنيله أكثرية نيابية، يُتوقّع أنْ يفقدها في هذه الانتخابات!


وإنْ كان سيحصل على أغلبية من التمثيل، لكن لا تخوّله إيصال مُرشّحه رئيس الحزب ورئيس البلاد الحالي سيريل رامافوزا، إلى الرئاسة، إلا من خلال تحالف مع أحزاب أخرى!
فقد أظهرت عمليات الفرز حتى الآن، إمكانية أنْ يحصل "حزب المُؤتمر الوطني" الإفريقي على 43% من الأصوات، بينما "التحالف الديمُقراطي المُعارض" يُتوقّع حصوله على 27.3%، و"المُناضلون من أجل الحرية الاقتصادية" على 7.5%.
وفي ضوء النتائج سيُحتّم على "حزب المُؤتمر" إجراء الاتصالات مع أحزاب أخرى، لتشكيل ائتلاف من أجل البقاء في السلطة، وهذا ما يحتاج إلى جهود جادّة من أجل تأمين أغلبية برلمانية تفوق نصف أعضاء المجلس البالغ عدده 400 نائب.
هذا علماً بأنّ حزب "المؤتمر الوطني" يتمثّل حالياً بـ230 نائباً في الهيئة، وإذا لم يحصل على ما يفوق الـ45%، فقد يجد صعوبة في تشكيل ائتلاف حكومي مع أحزاب صغيرة.


هذا يعني أنّه سيكون بحاجة إلى التفاهم مع الأحزاب المُعارضة، وهو ما يجهله مُضطراً للرضوخ إلى مطالبها التي تتمحور حول تغييرات كبيرة مُقابل دعمها له!
تعود أسباب تراجع "حزب المُؤتمر الوطني" الحاكم إلى التحريض الذي يقوم به الكيان الإسرائيلي والإدارة الأميركية، للحؤول من دون وصول مُرشّحه إلى رئاسة الجمهورية، خاصة بعدما أصرَّ الرئيس الحالي رامافوزا، على رفع قضية لدى "محكمة العدل الدولية" ضد الكيان الإسرائيلي على حرب الإبادة الجماعية التي يُنفّذها ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة، والتي لم تَثنِ أساليب الترهيب والترغيب، التي مُورست ضد جنوب إفريقيا عن رفع القضية إلى أعلى هيئة قضائية في العالم.
وقد عملت الإدارة الأميركية والكيان الإسرائيلي على تأمين دعم الأحزاب المُعارضة، بل العمل على الائتلاف والتحالف في ما بينها ضد "حزب المُؤتمر".
هذا فضلاً عن مُواجهة قضايا اجتماعية ومعيشية في طليعتها: ارتفاع مُعدّلات البطالة، وانقطاع التيار الكهربائي، وشُح المياه، والفساد والجريمة.