الجندي أمامي على الحاجز لا يراني كاملا بل منقوصا، هو لا ينظر الا الى ملامح يدي فقط واحيانا يتخيل ان يدي تحمل سكينا فيكاد يطلق النار ويتراجع في آخر لحظة.. لكنه لو ضبطني سائرا على الاقدام لن يتراجع وسيطلق النار ويدعي انه اشتبه واطلق النار بشدة طبقا لأوامر اطلاق النار غير المشددة التي تتيح له الاشتباه والقتل، ولا ضرورة لتأكيد الاشتباه فلا احد يطالب بتحقيق ولا منظمات دولية في الميدان، ولا ضمائر حية تحاول ان تحبط مؤامرة الاشتباه.. فالقتل تم وفق الاوامر محاولة اشتباه بالطعن وتم طعن المشتبه بعشرات من الرصاص غير المشبوه.

 انا ايضا لا ارى الجندي بل احدق في سلاحه المصوب نحوي, اتوقع ان تنطلق الرصاصات دفعة واحدة نحوي، فهو مفوض بالقتل وانا لم امارس القتل.. فكيف لي ان اقتل بلا سلاح ابيض او اسود بل اتمسك بمقود سيارتي وأمر من امام الجنود انظر الى تعابير ايديهم وليس الى تعابير وجوههم فهي بلا تعابير وتشير الي بالمرور، واحملق في سمات اسلحتهم السوداء، هو لا ينظر في عيني وانا لا أنظر في عينيه ايضا فلا تبادل للنظرات الإنسانية, نحن منهمكان في رصد حركات الايدي فقط.. هو لا يسمعني لأنني لا اتكلم وانا لا اسمعه لانه لا يتكلم.. أنا لا اشم رائحته لأنه يحفظ مسافة بعيدة عني وانا أتفادى الاقتراب من جثته حتى لا يطمع في جثتي.. نحن كائنان بعيدان عن بعضنا.. لم ولن نحاول الاقتراب من بعضنا فكل يتربص بالآخر.. لا يعلم لماذا هو هنا.. وهو احيانا يرفض ان يكون هنا.. فله خيارات اخرى بعكسي، تركوا له حرية التسلية "بالطخطخة" دعوا الشبان يلهون ببعضهم بعضا.. مر من الوقت قرابة 150 شهيدا ومر خلفه اقل من سدس هذا الرقم من خسائره البشرية وما زلنا لا ننظر في وجوه بعضنا.. لو نظر الضحايا في العيون لانخفض مستوى القتل.