الهبة الشعبية المشتعلة منذ خمسة وسبعين يوما، تعيد للاذهان الانتفاضة الكبرى 1987/1993 في ذكراها الثامنة والعشرين، بمضامينها الكفاحية الشعبية والسياسية، ولتؤكد للاسرائيليين قبل غيرهم من دول وشعوب الارض، ان الشعب العربي الفلسطيني لن يقبل وجود الاحتلال الاسرائيلي، ولن يتوقف عن النضال بكل الوسائل المتاحة لتحقيق اهدافه الوطنية وفي مقدمتها، إقامة الدولة المستقلة على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194، والتعويض عن الخسائر الفادحة، التي لحقت بالملايين منهم وبممتلكاتهم الخاصة والعامة.

في الذكرى الثامنة والعشرين لثورة كانون، يستحضر الفلسطينيون جريمة السائق الاسرائيلي، الذي قام في الثامن من ديسمبر عام 1987 بدهس اربعة عمال فأرداهم قتلى، فكانت الشرارة، التي اشعلت السهل والجبل والصحراء الفلسطينية، وتواصل الكفاح الشعبي السلمي طيلة اعوام سبعة بفضل الدور الرائد للقيادة الوطنية الموحدة، ذراع منظمة التحرير الفلسطينية في ارض الوطن، وحققت تلك الانتفاضة البطلة العديد من الانجازات السياسية، في طليعتها، انها اعادت الاعتبار للقضية الفلسطينية، وارغمت الحكام العرب على التراجع عن تصفية القضية المركزية، واجبرتهم على التراجع عن التساوق مع مخطط الاميركي الاسرائيلي آنذاك، القاضي بالشطب السياسي لمنظمة التحرير، الذي جاء تتويجا للاجتياح الاسرائيلي عام 1982 لكل لبنان الشقيق، وحرب البقاع وطرابلس 1983 وحرب المخيمات 1985/1987، ولولا حرب الخليج الثانية، التي تورط بها عراق صدام حسين في احتلال الكويت الشقيق عام 1990، ومن ثم الحرب الاميركية وتحالفها الثلاثيني على العراق الشقيق 1991، ولاحقا الحرب الاميركية البريطانية الاسرائيلية عام 2003 لتمزيق وحدة الدولة والشعب العراقي، وما حملته تلك الحروب من تداعيات خطيرة على القضية الفلسطينية والعرب عموما، لأمكن للانتفاضة الكبرى وقيادة المنظمة تحقيق نتائج سياسية إستراتيجية. وهذا ليس تبريرا للقصور في اتفاقيات اوسلو 1993، ولكن لإبراز ما حملته الانتفاضة من آفاق رحبة.

ذلك الاستحضار يجري هذه الايام في اسلحة الهبة الشعبية المتعاظمة منذ مطلع أكتوبر الماضي، التي تواصل كفاحها للتأكيد على اهداف ثورة كانون الاول 1987، ولتؤكد ان جبروت وفاشية دولة التطهير العرقي الاسرائيلية، ومواصلتها التخندق في مواقع الاستيطان الاستيطاني، وتواطؤ الولايات المتحدة وبعض العرب معها، لن يثني الشعب الفلسطيني عن تمسكه بالثوابت الوطنية. وتذكير كل سياسي إسرائيلي، أيا كان خياره وحساباته تجاه مسألة الصراع مع الفلسطينيين، بان لا خيار امامهم سوى الاذعان لمصالح الشعب الفلسطيني، والاقرار باستحقاقات عملية السلام المقبولة فلسطينيا وعربيا ودوليا. وإن لم تتراجع إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة بقيادة نتنياهو عن جرائم حربها وجنون الترانسفير، فإن خيارات الفلسطينيين، تقوم على الاتي: اولا التجذر والثبات في ارضهم؛ ثانيا التشبث بالاهداف والثوابت الوطنية؛ ثالثا التمسك بكل اشكال النضال للدفاع عن مصالحهم العليا؛ رابعا العمل على تعزيز السيادة بالقدر الممكن والمتاح على ارض الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967؛ خامسا فضح وتعرية الرواية الاسرائيلية المزورة، والدفاع عن الرواية والحقوق الوطنية، التي كفلها لهم القانون والمواثيق الدولية.

الهبة الشعبية الحالية، رغم اختلاف اساليبها وشروطها الذاتية والموضوعية، لكنها تعيد الاعتبار للقضية والاهداف الوطنية ولوحدة الارض والشعب، وتجدد روح الانتفاضة الكبرى، وبإصرار الشباب والصبايا حمل رايتها، فإنهم يحملون الجميع المسؤولية عن اي تقصير يطالها، ويدعون فصائل منظمة التحرير لتأمين الحامل الوطني لها بشروط اللحظة السياسية المعاشة.