اليوم الثاني من تشرين الاول، يصادف الذكرى الـ 98 لوعد بلفور المشؤوم. الذي وعدت به الحكومة البريطانية إقامة "وطن قومي" لليهود في فلسطين، على أنقاض شعبها العربي الفلسطيني. ذلك الوعد الاستعماري البغيض، لم يكن وعدا بريطانيا خالصا، بل جاء تتويجا لتوافق غربي عام. قبل إصدار الوعد وبعده. لاسيما وان هناك وعود مشابهة، صدر الوعد الاول نهايات القرن الثامن عشر من نابليون عشية حملته الاستعمارية على دول الامة العربية او ما كان يسمى آنذاك دولة الخلافة التركية، ثم محاولات الملك الالماني، غليوم في ستينيات القرن التاسع عشر لاستقطاب اليهود في خدمة سياسات المانيا الاستعمارية. ثم مؤتمر كامبل ليبرمان 1905/1907، الذي جمع ممثلي دول الغرب كافة للبحث في سبل السيطرة على دول العالم العربي، وكيفية إنشاء "الوطن القومي" لليهود في فلسطين. وسبق وتلا الاعلان المشؤوم من وزير خارجية بريطانيا، آرثر بلفور، اتصالات مع الولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا وغيرها من الدول الاوروبية. التي ايدت الوعد الاخطر في التاريخ.

مازال الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة الاميركية حتى الان، رغم الاقرار المبدئي بالتسوية السياسية، والقبول بحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، يتلكأ ويماطل ويسوف في فرض الحل السياسي. لان الآليات المتبعة لتحقيق هذا الهدف، لا تستجيب لشق طريق السلام. اولا لان قادة إسرائيل ليسوا جاهزين لدفع استحقاق الحل السياسي المقبول والممكن، ثانيا نتيجة تساوق قادة الغرب مع سياسات وتوجهات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة، ثالثا لصمت دول العالم الاخرى تجاه ما تقرره الولايات المتحدة الاميركية، رابعا لان موازين القوى على الارض تميل لصالح إسرائيل، خامسا لعدم ارتقاء الدول العربية لمستوى المسؤولية، ليس هذا فحسب، بل كونها انخرطت في عملية تطبيع مجانية مع دولة إسرائيل على حساب اشقائهم اصحاب القضية المركزية "فلسطين".

مع ذلك، الفرصة مؤاتية الان مع حلول الذكرى الثامنة والتسعين للوعد المشؤوم، خاصة وانها تأتي والشعب الفلسطيني، يخوض غمار هبة شعبية منذ شهر خلا. بعد ان فقد الامل بالوصول لحل سياسي، ونتيجة التوحش الاجرامي الاسرائيلي في مناحي الحياة المختلفة، التي طالت الاخضر واليابس، الشجر والحجر والبشر بالقتل والحرق والتنكيل والاعتقال والتحريض العنصري الاسود والتهويد والمصادرة للاراضي والعقارات واماكن العبادة الدينية المسيحية والاسلامية. لكل ما تقدم، شعر الفلسطينيون، انهم وحدهم، وما لم ينهضوا ويثوروا في وجه الغاصب المحتل الاسرائيلي، فإن الاستيطان الاستعماري الصهيوني سيلتهم ما تبقى من فتات الارض، التي أقرتها اتفاقيات اوسلو عام 1993.

نعم الهبة الشعبة المتلازمة مع الكفاح السياسي والديبلوماسي والاقتصادي والاعلامي الثقافي التربوي والصحي، قادرة ان تعيد الجميع إلى جادة الحل السياسي، رغم محاولات الادارة الاميركية إدارة الظهر للمصالح الوطنية، وتساوق بعض دول المنطقة معها ومع إسرائيل. واللجوء لحلول سطحية ووهمية او تقزيم القضية في قضايا جزئية هنا او هناك. مع ان الجميع يعلم اشقاء واعداء، ان جوهر الصراع، كان ومازال الاحتلال الاسرائيلي، والعمل على إزالته فورا للسماح لاقامة الدولة المستقلة وذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على اساس القرار الدولي 194. وبالتالي تملي الضرورة تطوير الكفاح الشعبي السلمي، بحيث يشمل كل نقاط التماس مع قطعان المستعمرين وقوات الاحتلال، لزيادة كلفة الاحتلال، وارغام قيادة إسرائيل على القبول بدفع استحقاقات التسوية السياسية المذكورة آنفا. فهل نرتقي جميعا لمستوى المسؤولية الوطنية؟