المستقبل/اللواء/النهار: «اليرموك» يستغيث بحنجرة «عين الحلوة»

كثيرة هي أوجه المعاناة المشتركة بين مخيم عين الحلوة في لبنان ومخيم اليرموك في سوريا، واذا كان عين الحلوة منذ بدء حصار ومعاناة اليرموك أكثر من تلقى التداعيات المباشرة الانسانية والاجتماعية والحياتية للنزوح الفلسطيني منه الى مخيمات لبنان والذي وصف باللجوء الثاني، فانه اليوم ايضا أكثر من يتأثر بما يتعرض له اليرموك من استباحة وقتل وتدمير وخطر إبادة أهله، ليس فقط في البعد الانساني أو لأن ابناء المخيمين هم اصحاب قضية واحدة، بل لأن ثمة شعور فلسطيني يتعزز يوما بعد يوم بأن هناك خطرا واحدا او «مؤامرة واحدة« تتهدد المخيمين - وهو ما تردد حتى الآن على لسان اكثر من مسؤول فلسطيني في لبنان - وكأن المطلوب معاقبة هذا المخيم او ذاك على موقف الشعب الفلسطيني ممثلا بكافة قواه الفلسطينية الوطنية والاسلامية المتمسك بتحييد الوجود الفلسطيني سواء في سوريا او في لبنان عن الصراعات الدائرة محليا او اقليميا.. من هنا ذهب عدد من المسؤولين الفلسطينيين في لبنان الى ربط جريمة اغتيال اللبناني مروان عيسى في عين الحلوة بما جرى ويجري في اليرموك ! وانها استكمال لمحاولة استدراج المخيمات الى أتون الصراعات الدائرة في المنطقة، وبمعنى آخر ان نزفا آخر لجرح اليرموك لكن من خاصرة عين الحلوة!.

ابو العردات

يقول امين سر حركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي ابو العردات «ان ما يجري في اليرموك يستهدف قضية اللاجئين وهو نكبة جديدة تضاف الى نكبة الشعب الفلسطيني منذ العام 1948، وان الهجوم على اليرموك جاء لاحباط الاتفاق الذي كان مقررا تنفيذه في الاول من نيسان ويقضي بخروج المسلحين من هذا المخيم وتحييده عن الصراع وتسليمه الى لجنة من اهله وتسوية اوضاع المطلوبين وعودة النازحين وإدخال المواد التموينية والطبية» . ويعتبر ان المطلوب هو «الوحدة الفلسطينية كخارطة طريق لانقاذ مخيم اليرموك، لعلنا نستطيع ان نحمي ما بقي منه لان التهجير والتدمير قطعا شوطا كبيرا».

ويستشعر ابو العردات خطرا بالنسبة لمخيم عين الحلوة فيعتبر أن ما يحدث فيه «ليس صدفة وكل يوم يصدر الينا مشكلة، وآخرها خطف واغتيال مروان عيسى الذي يرى انه «ليس فقط اغتيالا بل تصدير للفتنة لتفجير المخيم وكأن المطلوب ان لا تستقر المخيمات وتتنقل الفتنة من مكان الى اخر وصولا الى تهجير جديد»!. ويقول « كقوى فلسطينية اتبعنا سياسة النأي بالنفس واستطعنا ان نبعد الفتنة لعدم تكرار تجربة نهر البارد ولكننا كل يوم نواجه تحديات بتصدير الازمات والمشاكل وزرع الالغام من جهات كبرى»!.

بركة

من جهته يرى ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة « ان استهداف اليرموك هو استهداف لكل المخيمات الفلسطينية وللقضية الفلسطينية وحق العودة» داعيا الى «مبادرة فلسطينية موحدة من اجل انقاذ مخيم اليرموك «. ويرى بركة ان اغتيال اللبناني مروان عيسى في مخيم عين الحلوة هو «محاولة خبيثة لجر المخيم الى اتون فتنة مذهبية، ربما ارتباطا بما يجري في سوريا» ويقول ان «وراء الجريمة دوافع فتنوية تريد توريط المخيمات، وضرب الاجماع الفلسطيني والعلاقات الفلسطينية اللبنانية .. ونقول للجهات التي تريد ذلك ان الشعب الفلسطيني ليس مرتزقا عند احد، ومن اراد ان يفتح معركة او ان يقاتل، عليه ان يذهب الى خارج المخيم، فالمخيمات ليست في جيب احد، وستبقى بوصلتنا نحو فلسطين وبنادقنا مصوبة نحو العدو الصهيوني فقط»

صرخة استغاثة

في ما يشبه صرخة استغاثة لمخيم اليرموك بحنجرة عين الحلوة، يهتف عشرات الشبان الفلسطينيين من بينهم نازحون من اليرموك نفسه مطالبين المجتمع الدولي بانقاذ اهلهم واخوتهم هناك، تقدم هؤلاء تظاهرة عفوية اعقبت اعتصاما للجان الشعبية لمنظمة التحرير ولجنة المهجرين الفلسطينيين من سوريا عند مدخل مخيم عين الحلوة تضامنا مع اليرموك، وتلقي مذكرة وجهوها الى اللجنة الدولية للصليب الأحمر الضوء على معاناة اليرموك بأنه « يقيم فيه حوالي اربعمائة الف لاجيء فلسطيني ويواجه مأساة حقيقية تتمثل بالهجمة الشرسة عليه من كافة الاطراف المتنازعة، حيث يواجه سكانه الى جانب الحصار الخانق المفروض منذ سنتين من اوضاع انسانية صعبة بلا ماء ولا دواء ولا غذاء الماء وفي ظل انعدام الامن وتفشي الامراض، ونزوح اكثر من 90% من سكانه. وان المخيم زج في أتون الأحداث الدامية حيث تعرض للقصف من قبل كافة الاطراف المتصارعة بكل انواع الاسلحة وسقط العديد من سكانه بين قتيل وجريح ومفقود».

وتشير المذكرة الى ان «ما واجهه اللاجئون الفلسطينيون في مخيم اليرموك من حصار وقتل وتهجير واستغلال واعتقال جرائم حرب يعاقب عليها القانون»، وتناشد المجتمع الدولي» بالتحرك العاجل والفوري لوضع حد لهذه المأساة من خلال :السماح للمنظمات الدولية بالقيام بواجباتها،تأمين ممر أمن لأدخال كافة انواع المساعدات للمحاصرين، اخلاء الجرحى والمرضى وكبار السن والاطفال، تأمين الحماية الكاملة للسكان المدنيين، الافراج عن كافة المعتقلين، الكشف عن مصير المفقودين، الحفاظ على املاك المدنيين، الزام اطراف النزاع بالوقف الفوري لإطلاق النار وتحييد المخيم واخراجه من دائرة الاحداث «.

 

البلد: المخيمات امام امتحان الجدية ونبذ التكفيريين

علي ضاحي

دائماً ما كان الفلسطينيون في لبنان يعبرون عن إنزعاجهم قبل الازمة وخلال لقائهم المسؤولين اللبنانيين الامنيين منهم والسياسيين، من مقاربة الواقع الفلسطيني وأزمة اللاجئين من البوابة الامنية وليس من النواحي الانسانية والمعيشية والاجتماعية والعيش الكريم والتقديمات اللازمة لتأمين ابسط مقومات الصمود والتصدي لكل مخططات تصفية القضية الفلسطينية والتوطين وإذابة حق العودة مع مرور الزمن. ولعل القيادات والشعب الفلسطيني محقون في مطالباتهم وعدم قدرة الدولة اللبنانية المضيفة على القيام بـ"واجبات الضيافة" وتأمين الحد الادنى اللازم لعيش كريم وهو امر مزمن وتتداخل فيه عوامل الانقسام اللبناني والحرب الاهلية والنزاع اللبناني- الفلسطيني خلالها وغيرها من الابعاد المؤسفة وربما الطائفية منها لكنها امور تعالج بحكمة وروية على قاعدة لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم.

واذا كان للفلسطينيين حقوق لا يعني ان ليس عليهم واجبات، فلا ذنب للحكومة اللبنانية ولا للقيادات الحزبية الداعمة للقضية الفلسطينية وخصوصاً "حزب الله"،في إنحراف بعض القيادات في اتجاه تنفيذ اجندات لا تخدم القضية الفلسطينية والانخراط في محاور مذهبية وصراعات اقليمية وتغليب المصالح الفردية الآنية على المصلحة الجماعية الدائمة. ولا يكفي "تلاوة فعل الندامة" او اعلان الشعور بقلة الحيلة والعجز عند كل تطور امني ورمي المسؤولية على "كائنات مريخية".

بالامس قتل ارهابي من متفرعات القاعدة ويدعى محمد الشعبي عبر مرتزقين يعملان لحسابه ويدعيان خالد كعوش وربيع سرحان احد عناصر "سرايا المقاومة" مروان عيسى وقتله الاول بمعاونة الاثنين. وتقول الرواية الفلسطينية ان الهدف من قتل عيسى خلاف على تجارة السلاح وليس انتقاماً من حزب الله وسرايا المقاومة ودوره في مكافحة الارهاب ووقف المد التكفيري في سورية قبل وصوله الى لبنان وكذلك نجاحه في حماية الحدود اللبنانية - السورية والتعاون مع الاجهزة الامنية والجيش في تفكيك بنية الشبكات الارهابية وملاحقتها. وهذه الرواية تتبناها مختلف الفصائل الفلسطينية في العلن وتسترضي فيها خواطر القوى الاسلامية والتي تتعاطف ضمناً مع بعض القوى التكفيرية والاصولية داخل المخيم او ما صار يعرف بالمربعات الامنية في حطين والطيري ومربع الطوارئ.

واللافت ان فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفصائل التحالف باتت تعيش عقدة وجود هذه التنظيمات الارهابية داخل المخيم من جهة ومن جهة ثانية عقدة عدم الذهاب بعيداً في مخطط استدراجها الى اقتتال داخلي- داخلي.

الا ان واقع الامر بات مخيفاً ومقلقاً فالاجتماعات التي تلت اغتيال عيسى بين حزب الله ووفد الفصائل من جهة ومع المكلفين متابعة تطورات الملف الصيداوي والمخيمات في القوى الامنية توحي بأن زمام القيادة تفلت من ايدي هؤلاء فعند كل تطور امني يبدون العجز وتكثر الشكوى وتطفو على الساحة فزاعة تدمير المخيم وعدم تكرار مأساة مخيم البارد بالامس واليوم مخيم اليرموك.

في المقابل يبدي مسؤولو حزب الله حرصاً على المخيمات وتحييدها عن تطورات الملف السوري لكنهم في الوقت نفسه باتوا يشعرون ان هناك تناغماً فلسطينياً من بعض القوى داخل المخيمات لتحويلها الى منصات لتمرير الرسائل الاقليمية ووضع القضية الفلسطينية وحق العودة والبندقية في بازار اللعبة الاقليمية والدولية وخدمة لمخططات تصفية القضية وأهمها تصفية حق العودة.

فماذا يعني القضاء على آخر مخيم للاجئين في سورية؟ وماذا يعني التواطؤ من داخل اليرموك مع جبهة النصرة وداعش؟ ومن يستفيد من تهجير اهله والتمهيد لتحويله الى خاصرة رخوة في ظهر الدولة السورية التي ستهاجم المخيم وتدمره على رأس داعش؟

كل هذه العناوين حذر حزب الله منها الفصائل الفلسطينية ونبه اليها منذ اليوم الاول لاندلاع الازمة السورية ولا سيما بدء ازمة اليرموك منذ عامين واستفحالها منذ اشهر وتكرار مأساته منذ ايام.

من جهة الدولة اللبنانية وخصوصاً الحكومة ولجنة الحوار الفلسطينية- اللبنانية وكذلك الجيش، تتحول المخيمات ومع استفحال الازمة السورية يوماً بعد يوم الى قنابل موقوتة، ورغم كل الجهود التي تبذل من الجانبين اللبناني - الفلسطيني الا انها ليست كافية ولا تبشر بالخير ولا تطفئ القلق المتنامي من تحول مخيم عين الحلوة الى مأساة لبنانية- فلسطينية مشابهة لما جرى في مخيم البارد والتي لا يريد شخص واحد عاقل لا لبناني ولا فلسطيني ان تتكرر.

الفلسطينيون اليوم امام امتحان كبير والمطلوب منهم خلال الاجتماع الامني مع مخابرات الجيش في صيدا تسليم قتلة المغدور عيسى كافة، وفي اسرع وقت ممكن الى القضاء اللبناني ليأخذ مجراه وينال المجرمون عقابهم، فليس حزب الله ولا سرايا المقاومة في صيدا او غيرهما ولا لبنان كله او الجيش اللبناني مكسر عصا لاحد، ولم يعد مقبولاً بعد اليوم الاختباء وراء العجز وقلة الحيلة وترك الامور على غاربها لحفنة من الارهابيين والتكفيريين في بضعة امتار مربعة للتحكم بمصير 80 الف من ساكني عين الحلوة وتهديد جوار لبناني ومتفرعاته وتعكير صفو عيش اكثر من نصف مليون بشري، والا ما هو مصير القوى الامنية الموحدة والمنتشرة وماذا تفعل؟

 

السفير: هل يفتح ملف «الطوارئ» في عين الحلوة؟

فتحت قضية تعذيب واغتيال الشاب اللبناني مروان عباس عيسى (26 عاماً) ملفّ «مخيم الطوارئ» في عين الحلوة، على مصراعيه. هذه الجريمة كانت قد سبقتها عمليات اغتيال مشابهة جرت مؤخراً في عين الحلوة وتوجيه أصابع الاتهام إلى أشخاص ينتمون إلى تشكيلات إسلامية متطرفة بارتكابها وتتخذ من هذا المخيم ملاذا آمنا لها.

ولذلك، فقد بدأت الكثير من الأسئلة تخرج إلى العلن بعد أن كانت تطرحها القوى والفصائل الفلسطينية الإسلامية والوطنية خلف الكواليس. هؤلاء يسألون: «من هي الجهة الأمنية الفلسطينيّة المخوّلة حفظ الأمن في هذا المخيم؟ من هي المرجعية الفلسطينية المسؤولة أمام السلطات اللبنانية عن المخيم؟ لتصل الأسئلة إلى السؤال الأهم في هذه الفترة: «من سيتولّى تسليم المتهم بقتل عيسى م. ش إلى السلطات اللبنانية».

وطالبت فصائل وازنة في المخيم القيادة السياسية الفلسطينية، وفق مصادر فلسطينيّة، إحكام القبضة الأمنية والسياسية للقيادة ومرجعيتها الأمنية على المخيم لمرة واحدة وأخيرة ووضع حد لظاهرتي «فتح الاسلام» و «جند الشام» والعناصر المرتبطة بهما، بالإضافة إلى تثبيت حواجز امنية معززة للقوة الامنية المشتركة عند مداخل هذا المخيم وفي وسطه، وتعزيز هذه «القوّة» بعناصر إضافية مدرّبة.

وعليه، تشير مصادر فلسطينيّة إلى أنّ «مخيّم الطوارئ» بعد جريمة عيسى ينبغي ألّا يكون كما قبله، إذ أنّه تحوّل بعد عمليّة الاغتيال إلى عبء على القيادة السياسية الفلسطينية في لبنان، خصوصاً أنّ المتهم باغتيال عيسى متوارٍ داخله.

وكانت جريمة اغتيال عيسى محور اللقاء الذي عقد أمس في عين الحلوة، حيث أكّد أمين سر حركة «فتح» والفصائل الفلسطينية في لبنان فتحي ابو العردات «اننا كقوى فلسطينية في لبنان اتبعنا سياسة النأي بالنفس»، ورأى أنّ «اغتيال عيسى ليس جريمة فقط بل هو تصدير للفتنة حتى يتفجّر المخيم لان المطلوب عدم استقرار المخيّم وانتقال الفتنة من مكان إلى آخر».

بدوره، وصف ممثل حركة «حماس» في لبنان علي بركة اغتيال عيسى بـ «محاولة خبيثة لجرّ عين الحلوة الى آتون فتنة مذهبية»، وتوجّه إلى «الجهات المعنية التي تريد استخدام المخيمات وتخريبها»، قائلاً «إن الشعب الفلسطيني ليس مرتزقاً عند أحد. ومن أراد أن يفتح معركة ما أو أن يقاتل، عليه ان يذهب الى خارج المخيم»، مؤكداً أنّ «المخيّمات ليست في جيب أحد، وستبقى بوصلتنا نحو فلسطين والقدس وبنادقنا مصوّبة نحو العدو الصهيوني فقط».

 

السفير/النهار: "يوم الغضب" من الأونروا في "نهر البارد"

دخل الاعتصام المفتوح احتجاجاً على سياسة الأونروا المماطلة في بناء جزء من مخيم نهر البارد، يومه الثامن على التوالي، وسط تصاعد تدريجي في حدة الخطاب وطبيعة التحركات والتي كانت بلغت مرحلة الذروة، اليوم، مع التظاهرة الضخمة التي خرجت عقب صلاة الجمعة وأحرقت خلالها الإطارات المطاطية وأطلقت الهتافات المنددة بسياسة المنظمة الدولية المختصة في شؤون اللاجئين الفلسطينيين.

التظاهرة التي حملة عنوان "يوم الغضب" شارك فيها الآلاف من أبناء المخيم وتقدمها ممثلو الفصائل والحراك الشعبي واللجنة الشعبية، وجابت شوارع المخيم على وقع صيحات التنديد بالأونروا وتلك المطالبة بالعودة عن قراراتها الأخيرة والإسراع في عملية إعمار الجزء القديم من المخيم وتأمين عودة النازحين إلى منازلهم بعد نحو ثماني سنوات من انتهاء المواجهات المسلحة بين الجيش اللبناني وتنظيم "فتح الاسلام".

وأًلقيت خلال المسيرة كلمات طالبت إدارة الاونروا :بـ"التدخل السريع لوقف الهدر والفساد في مشروع الإعمار، وتشكيل لجنة تحقيق مشتركة من الأونروا والمجتمع المحلي للتدقيق بحجم الفساد والتلاعب بمواصفات الإعمار، بما يضمن الشفافية في ذلك"، مشددة "على ضرورة تضافر الجهود بين منظمة التحرير الفلسطينية والأونروا والحكومة اللبنانية للعمل مع المانحين لتوفير الأموال لاستكمال الإعمار وخطة الطوارئ"، كما "دعت الدولة اللبنانية لتحمل مسؤولياتها تجاه المباني المهدمة في الجزء الجديد من المخيم والتعويض على العائلات والتجار، وصرف ما تبقى من الهبة الايطالية لأصحابها ومعالجة قضية ٤٩ شاباً من البارد وإنهاء ملفهم لدى القضاء، وتسليم العقار 36 والملعب".

وكان الاعتصام الذي يأتي استكمالاً لسلسلة تحركات بدأت قبل ثلاثة أشهر، شكل الشعرة التي قسمت ظهر البعير، نظراً للعناوين الكبيرة التي يرفعها المحتجون والتي وصلت إلى حد محاسبة المفسدين والمقصرين في وكالة الأونروا والتدقيق في مواصفات ما تم انجازه من إعمار.

وبانتظار ما يمكن أن تحمله الأيام المقبلة على صعيد التحركات التصعيدية التي وعد بها المنظمون، يبدو أن ملف البارد في طور التسخين التدريجي بما يحمل ذلك من مؤشرات على المستويات كافة، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار الوضع الأمني في المخيم الذي ما يزال يعتبر منطقة عسكرية للجيش والجانب المالي للاونروا التي تؤكد مصادرها أن الوكالة في أزمة مالية بسبب عد إيفاء الدول المانحة بالتزامتها.

وكانت الوفود الداعمة للاعتصام واصلت توافدها على الخيمة، حيث استقبلها ممثلون عن الحراك الشعبي، وسط تأكيد بأن الاعتصام مستمر حتى تحقيق المطالب، وان العودة عنه يعني التفريط بحقوق أبناء البارد.

 

المستقبل/السفير: جنبلاط يزور «أبو خالد» مستذكراً مواجهة التدخل السوري

جنبلاط يزور محسن إبراهيم: تراث نضالي قل مثيله

رأى رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط أن «الأوان آن، ومن دون المس بجوهر الطائف، لإجراء تعديلات عليه كي لا يبقى لبنان بلد الفرص الضائعة». ودعا الى «الافادة من انخفاض أسعار النفط والشروع في بناء المحطات الكهربائية المطلوبة لتلبية حاجات المواطن والمناطق والخلاص من التقنين».

وكتب جنبلاط عبر «تويتر» امس: «لست خبيراً بأسعار النفط وتقلباته، لكن السعر اليوم منخفض نسبياً، الأمر إيجابي للخزينة اللبنانية ويخفف من نسبة العجز، فلماذا لا نستفيد من هذه الفرصة ونشرع في بناء المحطات الكهربائية المطلوبة لتلبية حاجات المواطن والمناطق والخلاص من التقنين وتسلط المولدات الخاصة وبذلك تعود مصلحة كهرباء لبنان إلى سابق عهدها المجيد أيام بديع لحود وفؤاد البزري وغيرهما؟».

أضاف: «إنه إقتراح لتخفيف العجز وللخروج من أزمة الكهرباء المزمنة وعمرها يعود إلى أكثر من عشرين عاماً، في هذا المجال جرى تشريع قانون مبتور يسمح للقطاع الخاص بالاستثمار في هذا القطاع، لكن التجربة المرة تدل على أن مبدأ الهيئات الناظمة تعترضه عقبات ومصالح كبرى، وهنا بند أو ثغرة في الطائف، لأنه جعل من الوزير يتحكم بالإدارة ويتسلط عليها على حساب الكفاءة، الوزير اليوم في عهد الطائف تعيين سياسي. لذا يجب الحفاظ على الإدارة كجسم مهني محترف».

وأكد أن «الطائف كان تسوية سياسية أتاح للحزبية على شتى التلاوين، الإمساك بالإدارة على حساب الكفاءة. في العهد الشهابي، كانت الإدارة شبه مفصولة عن السياسة إلا بعض المناصب الأمنية وكان مجلس الخدمة المدنية الحصانة للإدارة أيام الشيخ فريد دحداح»، مشيراً الى أن «الطائف وبوحي سوري أو بالأحرى بعثي جعل الحزبية تتصدر الكفاءة. وآن الأوان، ومن دون المس بجوهر الطائف لإجراء تعديلات في السياق الذي تحدثنا عنه كي لا يبقى لبنان بلد الفرص الضائعة».

وختم: «أكتفي بهذه المقترحات آخذاً في الإعتبار العقبات الكبرى والاعتراضات الشتى. أتمنى فقط التفكير بهذه التوجهات».

وزار جنبلاط يرافقه النائب مروان حمادة وأمين السر العام في الحزب «التقدمي الاشتراكي» ظافر ناصر، الأمين العام لـ«منظمة العمل الشيوعي» محسن إبراهيم في دارته في وطى المصيطبة، وكانت مناسبة للتداول في عدد من القضايا العامة.

ولاحقاً كتب جنبلاط عبر «تويتر»: «اليوم وبرفقة صديق العمر مروان حمادة والرفيق ظافر ناصر، زرنا أبو خالد محسن إبراهيم. محسن إبراهيم عنوان الإخلاص والوفاء للقضية الفلسطينية، لحركة فتح، ضمانة القرار الفلسطيني المستقل. محسن إبراهيم تراث وطني ونضالي قل مثيله. رفيق كمال جنبلاط في أجمل وأصعب مراحل الأزمة والحرب اللبنانية، سوياً والشهيد جورج حاوي والغير من المناضلين أسسوا الحركة الوطنية، مشروع التغيير الحقيقي للنظام الطائفي اللبناني، سوياً واجهوا التدخل السوري عام الهادف الى إلغاء الشخصية الفلسطينية المستقلة بقيادة ياسر عرفات، التدخل الذي اغتال كمال جنبلاط والعديد من المناضلين اللبنانيين والفلسطينيين».

أضاف: «محسن إبراهيم ذاكرة النضال العربي والناصري والفلسطيني. بعد رحيل كمال جنبلاط وقف إلى جانبي في أوج الصعاب والتحديات. أدين له بالكثير الكثير في حياتي السياسية من دون أن استثني الغير. اليوم يوم جميل ومؤثر. اليوم يستذكر المرء ولو للحظات تاريخاً مجيداً ومشرقاً. معاً سنستمر في المسيرة، مسيرة الوفاء لفلسطين ولقضية الحريات والتقدم للشعب العربي».

 

الديار: بعد سيطرة الارهابيين على معظم أحياء مُخيّم اليرموك وتصاعد المعارك العسكريّة فلسطينيّو المخيّم من عين الحلوة : أنقذوا خيمتنا الأخيرة حفاظاً على حق العودة

«كنا نعيش في اليرموك في نعيم، دفعتنا الحرب في سوريا الى النزوح نحو الجحيم، وها نحن مع اطفالنا نكبر سنة بعد سنة خارج المخيم الذي اصبح هويتنا، بعد ان جرّدنا المجتمع الدولي من هويتنا الام فلسطين».

هي كانت صرخة السيدة الفلسطينية التي جاءت وهي تتأبط اطفالها الاربعة، الى ساحة الاعتصام التي تجمع فيها النازحون الذين هربوا من جحيم الحرب في مخيم اليرموك قرب العاصمة السورية دمشق، وحده الاعتصام جعل الوجوه تلتقي ثانية، بعد ان حالت ظروف النزوح دون ان يقيموا في حي واحد او مبنى واحد.. تقول «لقد تشتت ابناء المخيم الواحد ..وتوزعوا على مخيمات عدة في لبنان «تقول مريم التي نزحت مع عائلتها منذ ثلاث سنوات، وهي لم تتأقلم بعد مع الواقع الجديد الذي رسمته حكاية جديدة من حكايات نزوح الفلسطينيين.

في ساحة الاعتصام، تجمع العشرات من ابناء المخيم، وانضم اليهم متضامنون من مخيم عين الحلوة، المخيم الذي احتضن ابناء الوطن الواحد، على الرغم من الغربة القائمة بينهم، حملوا العلم نفسه، العلم الفلسطيني واطلقوا الهتاف نفسه.. لا للمجزرة التي يتعرض لها المخيم، ويقول لؤي.. لقد كنا نعيش بامان واطمئنان، نعيش في الظروف ذاتها التي كان يعيشها السوريون في وطنهم ، لا تفرقة فيما بيننا،، ولا تمييز، اما هنا في لبنان، فاننا بتنا نعيش في جحيم، ويتاجرون بقضية النازحين ويميزون بينهم في الخدمات والتعاطي، لقد حولونا الى سلع يتاجرون بقضيتنا، لم نعد نملك شيئا سوى الامل في العودة الى مخيمنا.

مع اشتداد المعارك العسكرية داخل مخيم اللاجئين الفلسطينيين في اليرموك سوريا، بعد سيطرة تنظيم «داعش» الارهابي، تحرك الفلسطينيون النازحون من المخيم، حاملين همومهم وشجونهم ..وهم يتحسرون على حكاية النزوح التي طالت، عن مخيم كانوا يعيشون فيه، كما يعيش السوريون في وطنهم، تجمعوا في ساحة الاعتصام وطالبوا المجتمع الدولي بالتحرك لازاحة الحرب عن مخيمهم، ووقف مسلسل التدمير الذي تمارسه العصابات المسلحة ..«كأنه كتب على الفلسطينيين ان يكونوا وقودا لكل الحروب» ، يقول مصطفى الذي تجمع مع ثلة من اصدقائه وراحوا يهتفون «شد زنودك يا يرموك»، فيما حمل طفل لم يتجاوز الست سنوات لافتة كتب عليها «اليرموك خيمتنا الاخيرة .. اليرموك نجمتنا الاخيرة»، وآخر «اليرموك وجع كل فلسطيني»، و«اليرموك يستصرخ الضمائر».

خارج دائرة الاعتصام، راحت سيدة في العقد الخامس عرفت عن نفسها بانها «من اليرموك»، تصرخ وهي تجر طفلا في عربة، كل العالم تآمر على اليرموك .. وها هو العالم يتفرج على المجازر والدمار الذي يحصل في المخيم، صراخ اشبه بنوبة هستيرية اصبت تلك السيدة المتشحة بالسواد ..حدادا على المخيم، وفق ما تقول.

} الاعتصام }

وتحدث الدكتور عبد الرحمن ابو صلاح باسم اللجان الشعبية في منظمة التحرير الفلسطينية، فاكد اصرار الفلسطينيين ان تكون وجهتهم فلسطين، داعيا الأطراف المعنية بما يدور حول المخيم وفي داخله أن تتحمل مسؤولياتها كاملةً بضمان الأمن والسلامة لأهلنا في المخيم، وتحييد المخيم عمَّا يدور من نزاعات حوله إحتراماً لأرواح البشر، وتقديراً لفلسطين، والعمل على توفير الممرات الأمنة للمحاصرين، كما دعا المجتمع الدولي الى التحرك لانقاذ سكان المخيم من المعارك الدائرة في المخيم والعمل على ادخال المواد الغدائيه والطبيه وكل ما يلزم لمساعده المحاصرين.

وتلاه عبد مقدح باسم اللجان الشعبية لتحالف القوى الفلسطينية فندد باستهداف المخيم، لاسقاط حق عودة اللاجئين الفلسطيينين الى ديارهم، وقال ان سكان المخيم كانوا يعيشون كما يعيش الشعب السوري، الى ان جاء من يتآمر عليهم من خلال تفجير الاوضاع داخل المخيم.

} مذكرة الى اللجنة الدولية للصليب الاحمر }

وسلم المعتصمون موظفي اللجنة الدولية للصليب الاحمر في المخيم مذكرة ، دعت المجتمع الدولي ومنظمة الامم المتحدة وهيئاتها الانسانية والحقوقية القيام بواجباتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين المحاصرين وسط المعارك العسكرية في المخيم، وانقاذ من تبقى من سكانه، كما دعت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الانروا واللجنة الدولية في للصليب الاحمر بتحمل مسؤولياتهما تجاه النازحين من المخيم، والعمل على ادخال المواد الطبية والتموينية الى المخيم، والسماح للمنظمات الدولية بالقيام بواجباتها، وتأمين ممر أمن لأدخال كافة انواع المساعدات للمحاصرين، واخلاء الجرحى والمرضى وكبار السن والاطفال، وتأمين الحماية الكاملة للسكان المدنيين، والكشف عن مصير المفقودين، والزام اطراف النزاع بالوقف الفوري لإطلاق النار وتحييد المخيم واخراجه من دائرة الاحداث.

 

الأخبار:اليرموك: يوم دُفِعَت «حماس سوريا» إلى حضن دمشق

بدأت معارك استعادة مخيّم اليرموك من أيدي «داعش»، بعد تكافل الجهود بين الجيش السوري وفصائل منظمة التحرير وحركة حماس، التي تلت «فعل الندامة» متأخرة. المعارك على أشدّها منذ أيام للسيطرة على 60% من مساحة المخيم احتلها «داعش»، ولا يزال يعيش فيها نحو 10 آلاف مدني يتخذهم التنظيم دروعاً بشرية. القرار واضح بحماية دمشق واستعادة السيادة على اليرموك، لكن بكل الأحوال، قضت الأحداث الأخيرة على أكبر تجمّع للشتات الفلسطيني في سوريا!

فراس الشوفي

اليرموك | تشقّ شمس العصر سبيلها إلى أرضية مخيّم اليرموك جنوب مدينة دمشق، خارقةً أعمدة الركام المعلّق بين الأرض والسماء. المشاهد في حارات أكبر تجمّع للشتات الفلسطيني تكاد تكون نفسها بالنسبة إلى الآتين من خارج هذا الجحيم: أتربة وغبار رمادي وحجارة اسمنتية حدّبتها القذائف والانفجارات، وبيوتٌ لملم أهلها أرواحهم وما تيسّر لهم من الذاكرة وهجروها، تاركين خلفهم خِرق ثيابٍ ممزّقة وبقايا أثاثٍ يقتات على معدنها الصدأ.

التجوال في الأجزاء الشمالية من المخيّم، التي يسيطر عليها مقاتلون فلسطينيون من «الجبهة الشعبية القيادة العامة» محفوف بالذهول والخطر. ليس بعيداً عن المدخل الشمالي، جنوبي حي الميدان الدمشقي، تتنقل بضع دجاجات بنية وإوزات رمادية أجنحتها ممشّحة بالأبيض فوق مستنقعات صغيرة من المياه الخضراء، تقتات على فتات الطعام والخضار الذي كوّمه أحد المقاتلين أمام أنقاض غرفة نوم!

«الوقت ليس وقت شماتة»

وفي مكانٍ ما لا تصله الشمس، ينفث «أبو العمرين»، أو «الحاج» خالد جبريل ابن الأمين العام للجبهة أحمد جبريل، وقائدها العسكري، دخان سيجارٍ يغطّي على ملامح الوجه الأبيض الذي ازداد نحافةً، منذ آخر لقاء في مخيم برج البراجنة.

خريطة المخيّم على شاشة هاتف عملاق بين يديه، يختصر الرجل توزّع سيطرة القوى على الأحياء بعد اجتياح «وحوش داعش» لمناطق سيطرة الإرهابيين الآخرين، في جنوب ووسط قَاطِعَي «اليرموك» و«فلسطين» من المخيّم. قبل عشرة أيام، كانت «القيادة العامة» تسيطر على ما يعادل 20% من مساحة المخيّم من القَاطِعَين، شمالاً. لكنَّ اجتياح «داعش» جنوبي المخيم من منطقة الحجر الأسود، رسم خريطةً جديدة، بعد تبديل مسلحي «أكناف بيت المقدس» البندقية من كتف إلى كتف، وتحالفهم مع «القيادة العامة» وباقي الفصائل الفلسطينية كـ«جبهة النضال» و«فتح الانتفاضة». فليس خياراً صائباً أن يستمر مسلّحو «الفرع السوري» لحركة حماس بالعداء للجيش السوري و«القيادة العامة»، ورؤوسهم المقطوعة يعلّقها «حليف الأمس» الداعشي في ساحات المخيّم. لكن الوقت ليس وقت شماتة بالنسبة إلى الحاج، و«هذه بداية مخرج لحماس، إن اتقت شرّ القتال إلى جانب أعداء سوريا وفلسطين». الآن، يسيطر الفلسطينيون على نحو 40% من المخيّم، وتحديداً، أحياءه الشمالية. وبينما يسيطر «داعش» وحليفته «جبهة النصرة» على الـ60% الباقية (وسط المخيم وجنوبه)، تتضارب الأرقام حول أعداد المدنيين الباقين تحت حدّ قطع الرؤوس و«محاكم الشريعة» التكفيرية، بين 9000 و 13000 مدني، بعد نزوح أكثر من 5000 آلاف مدني خلال الأيام الماضية إلى يلدا وببيلا و2000 إلى داخل مدينة دمشق.

الوصول إلى مسلحي «الأكناف» «التائبين» ليس بالأمر السهل

«الدواعش قاعدين هون»، يشير أبو العمرين على الخريطة إلى صفّ أبنية مطلّة على «ساحة الريجي» شرقي وسط قاطع اليرموك. بالنسبة إلى أبو العمرين، «الدواعش» أسطورة، «هادول ما عندهمش شي اسمو دفاع، كلّو هجوم، رح أعلمهم كيف يدافعوا». لم يعد خافياً أن الجيش السوري والفصائل الفلسطينية اتخذوا قراراً بطرد «داعش» منه في أسرع وقت ممكن، وأن «الأكناف» يقاتلون الآن إلى جانب الفصائل، بعد أن سلّم أكثر من 150 مسلحاً منهم نفسه للجيش وعاد لقتال «الدواعش». وبالتوازي مع الهجوم على أغلبية المحاور، تبدو الخطوة المهمة الأولى هي السيطرة على الريجي. لكن الحاج لا يخفي أن الأبنية المطلّة على ساحة الريجي تشكل خطراً كبيراً على القوات التي تريد التقدم، فالدمار الجزئي يعني أماكن حصينة ومموهة لقناصي «داعش»، تكلّف المهاجمين دماءً كثيرة، و«احنا أخذنا قرار بالريجي». والحل؟ «بالصواريخ الثقيلة» والتقدم، يقول أبو العمرين. وعندما يبدأ الوصف، يحضر صاروخ الكاتيوشا الذي كان ينقله المقاتلون في الخارج على عربة صغيرة، بعد أن أصابته «البدانة» جراء إضافة المواد المتفجرة حوله.

الأنفاق حرفة الفلسطينيين

يكلّف الحاج ولده العشريني محمّد مهمة الدليل «الحربي»، في رسالة طمأنينة للزوّار بأن حياة محمّد ليست أعزّ من حياة ضيوف المخيّم. خطّ سير الجولة يمرّ على الكمائن المتقدمة بين الركام، وعلى نفقٍ عميق تحت الأرض لا يتوقّف الحفر فيه، يقطع المخيم عرضياً من شارع اليرموك إلى شارع الثلاثين غرباً.

«خليك جنب الحيط، مقنوصة هالمسافة»، يقول محمّد. ومن فجوة في الحائط إلى فجوة أخرى وسط أكوام الردم، يظهر فداء وعائد (أسماء مستعارة) بَاسِمَين.

فداء، ابن 22 عاماً، عيناه متقدتان وذقنه خفيف الشعر، يقبض بذراع نحيفة على بندقية كلاشنيكوف. الغزاوي من سكّان اليرموك، ورث غزّة ولهجتها عن جدّه وأهله، وعلى ما يقول، سيحفرها على ألسنة أولاده إن نجا وأنجب أولاداً. لم يتسنّ لفداء أن يبدّل «الحفاية» التي ينتعلها في قدميه ويلبس حذاءه العسكري، فالزوّار باغتوه على عجل، وكلّ همّه أن لا تظهر «الحفاية» في الصور. هذا الفتى الصلب، وزميله عائد ابن طبريا، وحسن ابن عكّا المقاتل في الكمين القريب، لا يخافون من شيء. «الدواعش رجال على اللي مثلهم، أما احنا ما يقدروش علينا»، يقول عائد.

وجود «فرن» ذي «عيون أربع» بين بقايا غرفة، جزء من سريالية الصورة. بالنسبة إلى الشبان، هو «غاز» وفرن وطاولة يفرشون عليها طعامهم في الوقت القليل المستقطع من الحرب. لا يزال «مقلى» البيض ساخناً، والجبهة باردة قليلاً على «المتراس» القريب جدّاً، بعد اشتعال الجبهات الشرقية. وهؤلاء الفقراء الأقوياء لديهم أحلام أيضاً، تتسلّل إليهم حين يفرغون قليلاً من الضغط على الزناد.

السلم الطويل المتدلّي تحت الأرض حتى قعر النفق ينقل النازلين إلى «العالم السفلي»، حيث يكبر يرموك آخر بهمّة المقاتلين وزنودهم. السقف يقارب ارتفاعه المترين، والعرض لا يتجاوز المترين أيضاً، فيما حصّة «كابلات» الاتصالات والإنارة، محفوظة في زوايا النفق العلوية. «الفلسطينيون حريفة حفر، والقيادة العامة شغلتهم الحفر» يقول جهاد مزهواً. «... للأسف، اخترعنا الأنفاق لنحارب إسرائيل، تعلموا جماعة إسرائيل الحفر!»، يتابع القائد المسؤول عن أحد كمائن المراقبة. في النفق يردّد الصدى فلسطين كلّها، حيفا ويافا وعكا وطبريا وغزّة وصفد، في لهجات هَجَّنَها الزمن وروح اللكنة الدمشقية على ألسنة الشباب اليافعين. يجلس غيّاث وعمّار أمام شاشتي تلفاز تبثان نقلاً حياً من «فوق الأرض» عبر عدة كاميرات. ركامٌ ما بعده ركام يظهر، ولا شيء يتحرّك سوى رقعٍ يحركها الهواء الشحيح هنا تحت التراب. «الغلط هنا ممنوع»، يشرح عمّار، «إذا بتسهى عينك، يعني تسلّلوا الع...ت، ويذبحوا رفقاتك وأهلك».

حنظلة يدير ظهره هنا

يجد الفلسطيني وقتاً ليرسم، مهما كان عمله وحياته، فكيف إذا كان مقاتلاً. الألوان تُؤنسن الحيطان الرمادية المدماة بالرصاص والشظايا، وتشحذ الشوق لفلسطين. «يا عدو الشمس سأقاتل، ولآخر نبض في عروقي سأقاوم» مطلع أغنية لجوليا بطرس غنتها للصهاينة، خطّها الفلسطينيون فوق صورة مُذلة للملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز. و«حنظلة»، الفلسطيني الذي رسمه ناجي العلي، مرسوم هنا على لوحة أخرى تحمل أسماء أشهر شهداء فلسطين. حنظلة يدير ظهره في اليرموك أيضاً، لأولئك الذين ارتكبوا خطيئة توريط المخيّم في طعن دمشق من خاصرتها الجنوبية وطعن حق عودة الفلسطينيين إلى ديارهم.

كيف سقط اليرموك بيد «داعش»؟

في كانون الأول 2012، اجتاح مسلّحو المعارضة السورية على مختلف تشكيلاتهم مخيم اليرموك، وسيطروا عليه بنحو كامل تقريباً، بعد أن شكّل عدد من عناصر «جيش التحرير الفلسطيني» وحركة حماس خلايا نائمة للمعارضة، في محاولة للسيطرة على المخيم لاختراق العاصمة دمشق ضمن الخطّة التي بدأ تنفيذها بندر بن سلطان في تموز 2012. عزل الجيش السوري المخيّم من الشمال من حيّ الميدان والغرب من شارع الثلاثين، وبقي المخيم مفتوحاً من الحجر الأسود ويلدا وببيلا والتضامن من الجنوب والشرق، مع قرارٍ واضحٍ بعدم الدخول إلى أرض الشتات الفلسطيني. لكنّ إعلام المعارضة والدول الداعمة لها صوّر الجيش السوري وكأنه يحاصر المخيم من الجهات الأربع. ومع مرور الوقت، شكّل مسلّحو حماس تنظيم «أكناف بيت المقدس» وضمّ نحو 750 مسلحاً، أنكرت حماس على مدى عامين صلتها بهم. فيما وصل تعداد مسلحي «النصرة» و«جيش الإسلام» ومجموعات إرهابية أخرى إلى أكثر من ثلاثة آلاف. استطاع مقاتلو «القيادة العامة» تحقيق تقدم بسيط في شمال المخيم في قتالٍ معقّد وحرب عقول عسكرية، لكنّ المفاوضات لم تتوقّف منذ اليوم الأول لمحاولة تحييد المخيّم وانسحاب المسلحين منه، الذين يتقاتلون أصلاً في ما بينهم. يوم الخميس 2 نيسان 2015، كان موعد توقيع اتفاق التحييد الذي وصلت إليه الفصائل الفلسطينية والدولة السورية مع مسلحي «الأكناف» و«النصرة»، وقد عُرقل التوقيع مرات عدّة في الماضي، منذ حزيران 2014. قبل أيام من الاتفاق اغتالت «النصرة» يحيى الحوراني مسؤول حماس «الرسمي» في المخيم، ثمّ شنّ إرهابيو «داعش» فجر يوم الأربعاء مدعومين من إرهابيي «النصرة» بزعامة أبو علي الصعيدي وخلايا نائمة في الداخل هجوماً عنيفاً سيطروا سريعاً بعده على أماكن مناطق المسلحين في المخيم. قطعت الرؤوس وسحلت الجثث في الشوارع، وحُرقت أعلام فلسطين. تلا «الأكناف» فعل الندامة متأخرين، واستفاق بان كي مون ليشجب، وعلّق «مجلس الأمن»، كعادته دائماً، منذ احتلال فلسطين.

العقيد خالد الحسن شهيداً

الوصول إلى مسلحي «الأكناف»«التائبين» ليس بالأمر السهل. هناك في قاطع فلسطين من المخيّم، يبتعد الحمساويون عن الإعلام، «أبو همام لا يريد الحديث الآن، قريباً إن شاء الله»، لا يزال لديهم وقت طويل في القتال، وكلام لا يُقال الآن. وأبو همام مرافق القيادي الحمساوي موسى أبو مرزوق، هو الفلسطيني نضال أبو العلا القيادي في «الأكناف». أما محمد الزغموط الملقّب بالمشير، فهو مرافق أبو الوليد، رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل. والمشير تعرّض لإطلاق نار على يد مرافقه، بعد أن قرّر تسليم نفسه للجيش السوري وقتال «داعش». أصيب المشير في خاصرته ورجله، ونجا من الموت، وعاد إلى القتال.

للعقيد الذي انشقّ عن جيش التحرير الفلسطيني، «الشهيد» خالد الحسن ذكرى طيبّة عند أبو حسن، مسؤول القيادة العامة في قاطع فلسطين، إذ سلّم الحسن نفسه ومعه مجموعة من الفلسطينيين بينهم «النقيب سليمان،» للجيش السوري، وعادوا لقتال «داعش». يقول أبو حسن إن «خالد استشهد بطل، مات في خندق فلسطين، وقاتل الدواعش من شباك لشباك». «والله هوي وابنه أبطال، أنا شفت ابنو عم يقتحم معه، وعم يقاتل بالمسدس». «الله يرحمه، قلنا قولوا لأبو جهاد (جبريل) إني بدي استشهد».

الترانسفير الفلسطيني يحصل

الفلسطيني سيئ الطالع، وحال السوري أو اللبناني أو العراقي ليس أفضل طبعاً، لكن الفلسطيني كتب عليه أن يعيش جلجلته، وجلجلة الآخرين من بعده أيضاً. من مخيّم اليرموك والنيرب والست زينب وقبلها من نهر البارد، الطريق مفتوح أمام الفلسطيني إلى بلاد الله الباردة، هناك في السويد والدنمارك والنروج وألمانيا التي وصلها حتى الآن 68 ألف فلسطيني سوري بحسب إحصاءات مجموعات عمل فلسطينية. البكاؤون على اليرموك الآن تركوا البحر ليبتلع الذين ابتلعهم من الفلسطينيين الهاربين بالقوارب الخشبية على شواطئ مصر وليبيا واليونان وإيطاليا، والناجين منهم لمل الفراغ البشري في دول الصقيع. العرب لا يمنحون الفلسطيني تأشيرة دخول إلى بلادهم، لكن يدعمون غزو المخيم لإسقاط دمشق، وتشتيت اللاجئين. تجربة اليرموك أثبتت أن «الترانسفير» الفلسطيني يحصل.

 

السفير: الحرب التي خسرها اللبنانيون مرتين

نصري الصايغ

 ولدت الحرب اللبنانية «الكبرى» منذ أربعين عاماً. عمّرت خمسة عشر عاماً. أنفقت دولة وناساً وراكمت خراباً وقتلى. وعندما تعبت وخارت قوى المتحاربين فيها، فاتت اللبنانيين فرصة موتها. لم يدفنوها. تركوها «وديعة مخيفة»، يهتدون بواسطتها إلى الهاوية.

انتهت الحرب من دون أن يستفيد اللبنانيون من تجربتها. أعادوا صياغة حياتهم السياسية عبر الإمعان في اقتسام تركة الدولة بين أمراء الحرب وورثتهم. الشعارات التي رفعت عشية اندلاع المعارك، قُتلت كلها، السيادة استُبيحت، الحدود انتُهكت، الاستقلال مشاع، القرار الحر مبيع، برنامج «الحركة الوطنية» اصطف خلف المتراس الطائفي وفي الخندق الفلسطيني، فسقط في الداخل وأُسقط من الخارج. لم يبق بعد الحرب، غير أهل الحرب الأهلية.

هي حرب أهلية نموذجية مليئة بالعبر والحقائق الدامغة. لم يعترف اللبنانيون بفضائل الحروب وتجاربها. لعل أبلغ ما تنجبه «الحروب المفيدة»، ذلك التوق الجميل إلى إقامة السلام. فاتهم ان يحلموا بهذا المستحيل المطلوب. فضّلوا عليه نزع السلاح العسكري والإبقاء على الأسلحة الفتاكة، تلك التي تنتجها العقول والنفوس، وتتربى في ثقافة الطوائف والمذاهب ومناهج الإلغاء المتبادل، والتي «فرّخت» صيغة «العيش المشترك» الهشة، التي لا تعلوها سلطة غير سلطة النقض المتبادل.

«عيش مشترك»، عقيدة هشة ومفلسة وغير مطابقة لوقائع «العيش المختلف والمتناقض والمتناقص»، تنتج سلطة هشة ومفلسة وغير مطابقة لمقتضيات الحد الأدنى من الدولة، أو الحد ما دون الأدنى من شرعية الحكم، وفق ما جاء في النصوص.

بعد الحرب، خرج اللبنانيون أسوأ مما كانوا عليه، يوم دخلوها، ظهيرة الثالث عشر من نيسان في العام 1975. لذا، استمرت الحرب هاجساً يراود اللبنانيين ويُخيفهم. فعاشوا في حماية القبضة السورية، ثم في مشاعات السلطات المذهبية، صاحبة الحق الشرعي في إخضاع الدولة واستلاب مؤسساتها.

يراود اللبنانيين هاجسُ عودة الحرب مرة أخرى، بطريقة أخرى. يرجحون إمكانية استعادتها، لتوفر الظروف التي انتجت حربهم السابقة. لا مغالاة في المقارنة بين الأسباب التي أفضت إلى الحرب في الماضي، وبين الأسباب الكثيرة والفاقعة التي توفر الظروف لحرب جديدة. غير أن الحرب لم تشنّ. الانقسام حول العمل الفلسطيني المسلّح انطلاقاً من الأراضي اللبنانية، يكاد يتفوق عليه عامل انقسام اللبنانيين الحاد بين محور المقاومة وبين محور الاعتدال والمسالمة. الأول بقيادة إيرانية، ومعيّة شيعية (علوية واثني عشرية وزيدية الخ) والثاني، بقيادة سعودية، بحضانة سنية. والمحوران يشتبكان في عدد من الأقطار العربية، ويتصارعان بالأسلحة المتاحة، في اليمن والعراق والبحرين وسوريا. مثل هذا الانقسام الإقليمي واشتراك أطراف لبنانية فيه، كان من المتوقع ان يفضيا إلى سقوط لبنان في «المحرقة»، ولكنه لم يفعل، أنه يشارك بالحرائق، من دون أن يقع في أتونها، حتى الآن.

لعل العجز هو الفضيلة الوحيدة التي تسببت في حفظ لبنان في منطقة «السلام المهدّد». القوى اللبنانية الموزعة على بعض الطوائف، عاجزة عن كسر التفوق الذي تحوزه المقاومة التي شرعت لبنادقها ومقاوميها المساهمة في القتال الدائر في سوريا وبعض العراق... لعل العجز المصحوب بالتوزع الديموغرافي الذي نتج عن التهجير والنزوح في الحرب، واستتبابه بعدما، يوفر مناطق أمان للبيئات المذهبية والطائفية التي بات معظمها نقياً من «الخوارج» عليها. تعبير «البيئة الحاضنة» راج كثيراً بعد الحرب، لدلالته الجغرافية والسياسية والمذهبية. وقد ورث هذا التعبير، شعاراً أثيراً لدى القوى المسيحية، وهو شعار «المجتمع المسيحي». ولقد كان كذلك، إذ تشكلت منطقة جغرافية في انحاء من جبل لبنان، تمتع فيها المسيحيون بصفة النقاء الطائفي. التوزع الديموغرافي، يحول دون الاحتكاك في مناطق باتت حكراً لطوائف مطمئنة إلى «معازلها» والمذاهب تتشابه، خاصة عندما تتناقض. ثمة منطق واحد يجمعها ويبدّدها في آن.

ولا خوف من البرامج الإصلاحية. كأن هناك يقيناً بأن لبنان غير قابل للإصلاح، لا بل إن مشاريع الإصلاح، مهما كانت ضئيلة وشكلية، قد تهدد الصيغة الهشة، التي ارتضتها سلطات ما بعد الحرب، خشبة خلاص. «اتفاق الطائف» المنقوص والمنتهك، أفضل من تطبيقه، لأنه يقوّي الدولة ويضعف القوى التي تشغل أو تمثل الدولة.

يرجح عدم اقتتال اللبنانيين. ليس بسبب ما أخذوه من عبر الحرب اللبنانية، بل بسبب عجزهم المبرم عن خوضها، وعجزهم الفكري عن إنتاج صيغة سياسية تتناسب مع طبيعة الاجتماع اللبناني وانقساماته المتوارثة والمستجدة، ومع طبيعة الإقليم وصراعاته، وطبيعة الكيان الإسرائيلي. أي أنه كان بالإمكان تنظيم الفوضى اللبنانية المذهبية، في إطار الحد الأدنى من الدولة، مع «وثيقة تفاهم» مبرمة، تمنع انزلاق اللبنانيين إلى الخنادق العسكرية. ما زال الوقت متاحاً. هل يتلمّس الحوار الحروف الأولى من «وثيقة السلم الأهلي اللبناني»؟ ليته.

لا أمل أكثر من ذلك؟ لعلّه

على أن السؤال المقلق، هو سؤال الجيل الذي لم يعرف الحرب. من حكم لبنان، بعد الحرب، هو قيادات الميليشيات الطائفية، والقيادات التي تربّت على هامش الحرب، عبر أدوار لعبتها، إما سلماً وإما تسوية وإما انحيازاً. حكومات لبنان التي كانت محمية من مذاهبها ومن قوى خارجية إقليمية، ذات ثقل مرهق وحاسم، لم تضم جيلاً جديداً، تعرّف إلى الحرب اللبنانية، بأحداثها ومعاركها وشعاراتها وعبثيتها.

إذا كان عمر الحرب أربعين عاماً، فهذا يعني أن من بلغ الأربعين اليوم، يجهل الحرب، ولم يتعرف إليها البتة، كما هي. وإذا ادعى أنه يعرف عنها، فما يعرفه منقول على ألسنة مرتكبيها ومبرريها. أي هو جاهل بالحرب كسردية مستقلة عن روايات مرتكبيها. وما يعرفه هو الرواية الخاصة بأفرقاء الحرب، وهي روايات مبرمة، تلقن بالقول وما انتقته الذاكرة الخصوصية الطائفية، التي تبرئ الذات وتحمّل الآخر (العدو) آثام الفتنة.

لقد تم إخفاء الحرب الحقيقية عن أذهان الجيل اللبناني الجديد. الذي يشكل أكثرية اللبنانيين اليوم. تم تلقين اللبناني المسيحي، الصيغة الكتائبية القواتية العونية، وتم تلقين السني، الصيغة الهجينة، التي تقرّبت من الصيغة الكتائبية ومن شعار «حروب الآخرين» في لبنان، متجاهلة ان السنة، اعتبروا «منظمة التحرير الفلسطينية» هي جيش المسلمين السنة في مواجهة «الجيش اللبناني الماروني». أما الصيغة الشيعية، فقد ألبست السردية الخاصة بـ «أمل»، التي هي خليط من «الحرمان» و «المشاركة» ومن «اللبننة والعروبة المسورنة»، مع القليل من فلسطين والكثير من الطعن بالفلسطينيين. وإلى جانب هذه السردية الخاصة بـ «أمل»، سردية مختلفة لـ «حزب الله»، لكونها سردية اختصت بتقديم مقاومة الاحتلال على ما سواها، والالتزام بذلك، من دون التفات يُذكر إلى ما يجري داخل البناء اللبناني المتداعي. أما السردية الدرزية، فهي لا تستقر على حال. فلكل حقبة سرديتها الخاصة. الماضي لدى هذه الطائفة سياسياً، تعاد صياغته، وفقاً لمتطلبات الحاضر. فالجنس السويّ أحياناً، يمكن أن يصبح الجنس الرديء، وهكذا دواليك.

ويُخفي معظم هذه السرديات الارتكابات الفادحة، المجازر المتبادلة، التقاتل الأعمى، الاعتداءات على الأبرياء، التهجير المنهجي، الغزو العسكري، الخطف المجرم، قتل الأبرياء، (رجالاً ونساءً وأطفالاً) إبادة القرى والبلدات، الإذلال على المعابر والحواجز، التعذيب والتشويه والتمثيل بالجثث، ثم إخفاء المقابر الجماعية.

يخفي معظم السرديات مجزرة صبرا وشاتيلا. تتعامى عن مجزرة مخيم تل الزعتر، تتناسى منكرة الرقص وشرب الشمبانيا على الجثث في الكرنتينا، تهمل مجزرة الدامور ونبش القبور وتدنيس المعابد وتطهير البلدة من كامل سكانها وتشريدهم عبر فلوات البر وأمواج البحر. تتناسى مجزرة بحمدون، وتدمير قرى في الشوف وبعض مناطق عاليه. تبتعد عن ذكر الاغتيالات الجماعية وحفلات القتل الموسمية كـ «السبت الأسود»، ممنوع ذكر أسماء القتلة والجزّارين، وهم معروفون وقد تبوأوا مراكز حساسة في الحكومات المتعاقبة وفي المؤسسات الرسمية. وأطرف ما استحدث من خلْف منطقي، لم يسبق لبنان أحد فيه، وهو «وزارة المهجرين»، التي أعطيت حكراً للقادة الذين تولوا تهجير أكثر من 850 ألف لبناني من بيوتهم وقراهم وأماكن سكنهم.

هذه الحقائق ممنوعة عن الجيل الجديد من اللبنانيين. هؤلاء، لو أتيح لهم أن يروا الصورة الحقيقية للحرب، وان يتعرفوا إلى أحداثها وأن يتبينوا مرتكبيها، لخرجوا بخلاصات مختلفة، وبخيارات جديدة، لا تمت إلى الصيغة التي نتجت من تسوية، هي بمثابة صفقة، حصل فيها المرتكبون على حصتهم التامة من البراءة الكاذبة (قانون العفو) وعلى حصتهم الكاملة في السلطة اللبنانية وفي النظام. ولا نظلم الذين شاركوا في الحكومات، وما كانوا مشاركين في الحرب، لأن الشراكة ليست بريئة بالمرة من الفواتير والمغانم والتسلط، والمسامحة المجرمة للمرتكب، والتغاضي التام عن حقوق الضحايا والقتلى والمهجرين والمخطوفين.

لو أتيح للجيل الجديد، جيل بعد الحرب، أن يدرس الحرب في المدرسة او ان يتعرف إليها في الجامعة، لكان أدرك عمق الهوة التي تفصله كلبناني، عن لبنان الراهن، الذي يتعامل معه بسلبية غير مجحفة، حيث إن معظم هذا الجيل، قد فقد الأمل بلبنان الذي يحبّه، وبات هدفه الأسمى أن يجد بديلاً عنه، في هجرة عمل، أو في هجرة نفي.

جيل يتربّى على منظومة قيم عالمية ووطنية، ويجد لبنان بعيداً عنها، ويتساءل، كيف يعيش في بلد، بلا قيم وبلا أخلاق وبلا محاسبة وبلا مساءلة وبلا تجديد؟ جيل درس في الجامعات تجارب العالم السياسية والحقوقية والقيمية، ويرى أن بلاده «داشرة»، كل «صغير» فيها، يتمتع بحصانة طائفية ومذهبية، تؤهله ليكون «كبيراً» ومن عليّة القوم... جيل نظيف، أُجبر على التدرب على قيم الفساد والإفساد، ومناهج الاتباع والاستتباع، وممارسة اليأس، إذا عاند ورفض الانجرار في موحلة السياسة.

بعد أربعين عاماً على اندلاع الحرب اللبنانية، يميل البعض إلى القول: «الحرب لم تنته بعد»، أو «إنها على الأبواب»، كلما عصفت في الإقليم أزمة أو حصلت في الداخل تشققات إضافية. قد يحصل ذلك وقد لا يحصل، غير ان نتائج الحرب لما تنته بعد، ما تزال فاعلة في سلسلة الوقائع والأحداث، أبرزها، تضاؤل الدولة وتعاظم الشروخ والانقسامات ومواقع النفوذ. انعدام السياسة واستفحال المراوحة والتراجع والقبول بالحدود الدنيا. تشظي الجماعة الوطنية إلى جماعات مسلّمة بحقوقها بالحصة المستحقة لها في النظام والمال والمشاريع. استتباب الديموغرافيا الجديدة، وفرض منطقها على المؤسسات الرسمية التربوية والإدارية والجامعة والـ... سطوة الفراغ والتعايش البناء معه.

بعد أربعين عاماً، يحق للبنانيين ان يتساءلوا، متى تتوقف مفاعيل الحرب؟ هل من أمل؟ هل يلتئم ما انقسم؟ أيتوقع نشوء ثقافة جديدة تصارع ثقافة التمذهب والتكفير والاستتباع؟

تصعب الأجوبة

لم ينتصر أحد في الحرب الأهلية. ما اعتبره البعض فوزاً لطائفته، لم يكن إلا تحسين موقعه وحصته في السلطة. ولأن أحداً لم ينتصر، فإن أحداً لم يفرض برنامجه أو شعاراته على الآخر. كان النظام سيئاً، فصار أسوأ. كان المجتمع منقسماً فبات متهالكاً. كان هناك أفق لقيام دولة عادلة ديموقراطية مدنية وسلطة منتخبة على قاعدة المواطنة وليس المواطفة، أما اليوم، فالانسداد، صفة الآفاق كلها. ولا طمع للبنانيين، غير السلامة أو الهجرة.

وحدهم ورثة الحرب وأتباعهم، أسياد هذا الفراغ الكبير.