أحيت حرب "الجرف الصامد" الاسرائيلية الاخيرة على قطاع غزة موضوع مقاطعة المنتجات الاسرائيلية، مع ان موضوع المقاطعة مطروح منذ زمن بعيد ليس على الصعيد الوطني، بل على المستوى الدولي، وأخذ طريقه للترجمة فيما يتعلق بالبضائع المنتجة في المستعمرات الاسرائيلية مع بداية العام الحالي.
لكن موضوع المقاطعة للسلع الاسرائيلية أخذ ابعادا اكثر جدية والتزاما من قبل المواطنين الفلسطينيين خلال شهر آب الماضي، وتمت ملاحقة المحال التجارية والمستوردين والموزعين الفلسطينيين للسلع الاسرائيلية، وحققت الحملة/ الحرب الوطنية على المنتجات الاسرائيلية نجاحا ملحوظا. وفق تقديرات البعض وصل النجاح الى نسبة 90% نتيجة دعم التجار للحملة. واهمية الحملة تكمن في: اولا تقليص التبادل التجاري بين البلدين إلى الحد الادنى. لا سيما وان التبادل يصل وفق المعلومات الرسمية إلى اربعة مليارات شيقل، ولكن بعض المصادر الوثيقة تؤكد ان حجم التبادل في عموم الاراضي الفلسطينية المحتلة يصل إلى سبعة مليارات شيقل. ثانيا دعم المنتج الوطني. ثالثا فتح الافق امام رأس المال والقطاعات الصناعية الوطنية للاستثمار في حقول إنتاج جديدة لتكون بديلة عن المنتجات والسلع الاسرائيلية، وهو ما يعني تطوير البنية التحتية لقاعدة الاقتصاد الوطني. رابعا الاسهام في تطوير المنتجات الوطنية بهدف تغطية حاجة السوق، وايضا لتكون قادرة على المنافسة. خامسا طرح موضوع إعادة النظر من قبل القيادة السياسية بالغلاف الجمركي مع إسرائيل، وتلزمها بالبدء بشكل سريع بالبحث عن بدائل عربية للموارد والسلع المسموح للقيادة وفق بروتوكول باريس الاقتصادي استيرادها. سادسا خلق ازمة بالمعايير النسبية في الاقتصاد الاسرائيلي. خاصة وان السوق الفلسطينية، السوق الثانية بعد الولايات المتحدة لاستيراد السلع الاسرائيلية، لا بل ان هناك خطوط انتاج خاصة في العديد من السلع الاسرائيلية تعمل فقط للسوق الفلسطينية، وبالتالي حجم التبادل التجاري بين فلسطين وإسرائيل يؤثر تأثيرا مهما في الاقتصاد الاسرائيلي.
الايجابيات الواردة اعلاه وفق قراءات العديد من المختصين، تحتاج الى ركائز اساسية ناظمة لتطوير عملية المقاطعة، حتى لا تكون مجرد ردة فعل آنية على الحرب المسعورة على محافظات الجنوب، منها: اولا وضع خطة وطنية شاملة للمقاطعة لكل السلع والمنتجات الاسرائيلية المتوفر لها بدائل وطنية او عربية تتكامل فيها الجهود الرسمية مع الجهود الاهلية من قبل رأس المال الوطني والتجار والمواطنين على حد سواء؛ ثانيا التركيز على البدائل العربية، وعدم اللجوء للبدائل الاجنبية، التي يمكن ان تكون مدخلاً التفافياً للبضائع الاسرائيلية؛ ثالثا الضغط لالغاء الارتباط بالغلاف الجمركي الاسرائيلي؛ رابعا توسيع قاعدة الاقتصاد الوطني في الاراضي المحتلة عام 67 وخاصة في المناطق C الزراعي والصناعي، والتشبيك بين القطاعين المذكورين؛ خامسا توسيع وتعميق التعاون الاقتصادي بين جناحي الوطن بهدف تصليب قاعدة الاقتصاد الوطني؛ سادسا وقف استيراد البترول والغاز من إسرائيل، والاعتماد على البترول والغاز الفلسطيني اولا والعربي ثانيا؛ سابعا مواصلة الحملة الاعلامية والتعبوية في المدن والقرى الفلسطينية، حتى تتوسع حملة المقاطعة لتشمل جناحي الوطن، لا سيما وان التجار في قطاع غزة لعوامل مختلفة منها عامل رفع الحصار الاسرائيلي الظالم، يرغبون بالاستيراد من السوق الاسرائيلية، وايضا نتاج الحاجة لسد نقص السلع بعد اغلاق الجزء الاكبر من الانفاق، وايضا لان إسرائيل في حربها المسعورة الاخيرة دمرت كل المصانع الوطنية، ما يعني ان السوق بحاجة لملء الفراغ خاصة وان مسألة المعبر الفلسطيني المصري لم تحل بعد، ولم توضع رؤية مشتركة لمعالجة هذه المسألة الحيوية؛ ثامنا تطوير قانون الاستثمار في فلسطين بما يسمح للسوق والاقتصاد الوطني لاستقطاب رؤوس الاموال والمستثمرين الفلسطينيين من الشتات والاشقاء العرب ورؤوس الاموال الاجنبية الصديقة، رغم ان الحكومة مؤخرا، اجرت تطويرا على قانون الاستثمار، لكن لجهة تضييق الحوافز، التي كانت ممنوحة للمستثمرين سابقا، ما قد يؤثر سلبا على عملية الاستثمار في فلسطين.
بالضرورة هناك عوامل اخرى، على كل معني في الجهات الرسمية او الاهلية الأخذ بعين الاعتبار العوامل الكفيلة بتطوير حرب المقاطعة للبضائع الاسرائيلية، لانها جزء من حرب التحرير الوطنية، وعامل اساسي من عوامل تعزيز ركائز البنية التحتية للاقتصاد الوطني.