كم هو مفيد أن تلتئم الحكومة الفلسطينية بكامل أعضائها ومعهم قادة الفصائل على مقربة من مجمع ناصر الطبي في مدينة خان يونس، حيث المنطقة تعج بالمدارس الابتدائية والإعدادية التي تشرف عليها وكالة الغوث، شريطة أن يأتي اللقاء مترافقاً مع انتهاء يوم دراسي، وأن يرصد القادة ذلك المشهد المهيب لحظة خروج الطلبة والطالبات من مدارسهم، طوفان من الصغار يملأ الشوارع والأزقة والطرقات، تختفي الأصوات الأخرى ويبقى ضجيج التلاميذ يسيطر على المكان، المشهد هو ذاته في باقي أرجاء القطاع لكن تلاصق المدارس هنا ما يميزه عما سواه.
المشهد سيفرض على القادة رغماً عنهم التفكير لما هو أبعد قليلاً من موطئ اقدامهم، لسنوات قليلة قادمة وحاجة هذا الجيل لمتطلبات توفر لهم الحد الأدنى من الحياة الكريمة، خلال عقد من الزمان سيتحول كل فرد منهم إلى اسرة، كم يحتاج هؤلاء من المساكن والمدارس والمشافي؟،وكم علينا أن نوفر لهم من المياه والكهرباء كي نبقي مستوى الخدمة على ما هو عليه اليوم بكل سلبياته؟، هل فكرنا قليلاً بأنه خلال هذه السنوات القليلة لن تكون هنالك مياه صالحة للاستهلاك الآدمي في القطاع من شماله إلى جنوبه؟، وهل نمتلك البدائل والخيارات لتجاوز هذه المعضلة؟، وإن امتلكنا الأفكار فهل بمقدورنا تنفيذها على أرض الواقع؟.
هل فكرنا ليوم واحد، أن التمدد العمراني يلتهم المزيد من الأراضي الزراعية ويخرجها عن العمل؟، وأن ملوحة المياه الآخذة بالتصاعد بوتيرة مرعبة ترغم المزارع على التخلي عن مهنته؟، وهل نمتلك من الخيارات ما يمكنا من التغلب على ذلك؟، منذ عقدين من الزمان ونحن نتخبط في مشكلة الكهرباء، تضاعفت خلالهما حاجتنا من الكهرباء فيما بقيت الكمية التي تصلنا على حالها، فتمددت ساعات الفصل ليلاً ونهاراً رغم أن الصناعة توقفت بفعل الحصار، ماذا لو عادت عجلة الصناعة للحركة من جديد، هل باستطاعتنا أن نحافظ على جدول الفصل وتخفيف الأحمال؟.
تسطيح الأمور وإخراجها عن مساقها ضمن مصطلح التفاؤل والتشاؤم لا يجدي نفعاً، إن كنا من الفريق الذي يمتلك القسط الوافر من التفاؤل ولا تستهوينا بالمطلق ارتداء النظارات السوداء، إلا أن ذلك لا يكفل لنا إيجاد الحلول للمعضلات التي تواجهنا، وبالتالي لا بد من وضع المشكلات في نصابها الحقيقي والتعاطي معها بجدية بعيداً عن التضخيم أو التقزيم، والبحث عن حلول موضوعية لها قابلة للتنفيذ، دون أن نركن إلى الوعود البراقة والمواعظ التي تلوي عنق الحقيقة.
دعوة الحكومة وقادة الفصائل للاجتماع في مكان كهذا لا يهدف إلى تبني قرارات تعالج القضايا التي تواجهنا في قطاعات الحياة المختلفة، نحن بحاجة لأن يرغمهم المشهد على تحريك نظرهم من بين أقدامهم لخطوات قليلة أمامهم، كم هو مثير للسخرية عندما نجمل عملنا بجلب كلمة "استراتيجي" عنوة إليه، خاصة وأن الجميع يدرك أن الاستراتيجية لدينا لا تتسع ليوم واحد، فإن عجزنا مطولاً عند صغائر الأمور فهل حقاً بمقدورنا معالجة عظائمها، وإن بقينا على هذا الحال من المناكفات وقواعد رقصة التانغو القائمة على خطوة إلى الأمام تتبعها خطوة إلى الخلف، فهل باستطاعتنا مجرد التفكير في المستقبل.