بدأت حملة دعائية صهيونية جديدة في الغرب، في محاولة لازالة الاحتقان الذي تراكم في ضمير الأمم، وانعكس غضباً ونقداً حاداً للصهيونية، بعد الجرائم المروّعة التي اقترفتها إسرائيل في غزة. هنا، يتوجب الحفاظ على زخم أصدقاء فلسطين وجالياتها مع الجاليات العربية والأوساط الأكاديمية، في الحملة العالمية الداعية الى مثول المجرمين أمام المحكمة الجنائية الدولية. بل ينبغي انشاء خطوط اتصال مع الناشطين اليهود الذين استهجنوا الجرائم الإسرائيلية وأدانوها. فبعد أن نشرت صحيفة "نيويوروك تايمز" رسالة تتبرأ من جرائم إسرائيل وتستنكرها بشدة، وقعها ثلاثمئة يهودي من الناجين ومن عائلات الناجين من المحارق النازية؛ استشاط الموالون للصهيونية غضباً، وهاجموا صحيفة "نيويورك تايمز" ومعها صحيفة "غارديان" البريطانية التي نشرت تقارير موضوعية سلطت الضوء على فظائع الحرب التي اقترفتها إسرائيل. بل إن الأوساط الصهيونية ومن بينها كتّاب إسرائيليون، عادوا الى الإرشيف، للتذكير بــ "خيانات" بعض اليهود للصهيونية وموالاتهم للاتحاد السوفيتي أيام ستالين. وكان أكثر ما استثار مؤيدي نتنياهو والمتطرفين الذين معه، هو أن المعارضين لسلوك إسرائيل من اليهود، استخدموا "الكارثة" التي حلت باليهود في الحرب العالمية الثانية، لكي يعيبوا على حكام إسرائيل ممارسة الفعل النازي نفسه ضد الشعب الفلسطيني. في هذا السياق، كان منطقهم هو الإعراب عن الاشمئزاز من المطابقة بين النازيين وجيش الاحتلال الإسرائيلي. وبهدف جذب الانتباه، عند خلط الأوراق، ركزوا على محاولة المطابقة بين "داعش" و"حماس" واستعانوا برسومات لملثمين يمسكون بضحايا، وفي أيديهم السكاكين، ويهمون بالذبح. وبالطبع لا يعرف المواطنون الأميركيون الفارق على كل صعيد، بين "داعش" الإرهابية التي جمعت جيشها من مغرر بهم من أبناء شعوب عدة في أوطان مستقلة، من بينها بلدان أوروبية، وفصيل فلسطيني يقاوم نيابة عن شعبه المحتلة أرضه والمحاصر والمتعرض على مدار اليوم والشهر والسنة للقتل الإسرائيلي. ذلك ناهيك عن جهل الجمهور المتلقي للدعاية الصهيونية المسمومة للفارق بين السلفية الجهادية والمنهج الوسطي "الإخواني" الذي كان شريكاً للغرب ولحلفائه العرب، في محطات عدة من التاريخ المعاصر، وهو شريك لهذا الغرب في تركيا وفي العراق وسوريا.
في الهجمة على "نيويورك تايمز" استخدم الكتّاب الإسرائيليون لغة الزجر المخفف لجودي رودورن، مراسلة الصحيفة في إسرائيل، فقالوا رغم إنها أبعد ما تكون عن معاداة الصهيونية، إلا أن تقاريرها أثناء الحرب على غزة، كانت تتعامى عن أثر صواريخ "حماس" على أمن إسرائيل وشبهوا هذا التعامي بتقارير مراسل الصحيفة "وولتر دورنتي" في الاتحاد السوفياتي في الثلاثينيات، عندما تعامى عن "جنايات" ستالين!
لغة اعتباطية تعتمد على تشبيهات عجيبة غريبة، وكأن الشعب الفلسطيني يمتلك سطوة ستالين ودولته، ويبادر هو بالبطش بإسرائيل التي استلبت الأرض وسدت آفاق التسوية ولاحقت ضحاياها في مخيمات لجوئهم وقصفت منازلهم وقتلت أطفالهم وسرقت مياههم وأراضيهم وحرقت مزارعهم ومساجدهم وكنائسهم وصادرت أرضهم وأطلقت عليهم قطعاناً من الهمج الظلاميين المسلحين، القائمين على حركة تعدٍ استيطاني متغوّل.
بعد أن خسروا معركة الصورة والحقيقة في حرب غزة، استدركوا وعادوا الى الدعاية الكاذبة، وفقدوا عقولهم فلجأوا الى تشبيهات مجنونة وهاجموا صحفاً لطالما ساندتهم وابتعلت أكاذيبهم. إن ما يفعله هؤلاء، في حملتهم الدعائية، يؤكد على ضرورة أن تبقى مشاهد الفظائع في غزة، حاضرة في الأذهان، ومعروضة بتفاصيلها على الرأي العام الدولي، وهذه مسؤوليتنا.