هل يكرر المشهد الفلسطيني نفسه فتكون المصالحة الفلسطينية القائمة حاليا في بدايتها وفي حدها الادنى هي الضحية الكبرى، وتنهار مثلما انهارت من قبل بعد توقيع اتفاق مكة، وحدث الانقلاب المسلح ووقع الانقسام في الرابع عشر من حزيران عام 2007، وهل تسقط حكومة التوافق الوطني التي نتجت عن اعلان مخيم الشاطئ مثلما سقطت حكومة الوحدة الوطنية التي انتجها اتفاق مكة.
واضح جدا اننا في أعقاب العدوان الشامل الذي بدB في الضفة في الثاني عشر من حزيران وامتد الى القدس ثم تصاعد باقصى درجات العنف والتدمير في قطاع غزة لمدة واحد وخمسين يوما ثم ها هو يرتد الى الضفة في موجات استيطانية كاسحة، واضح جدا ان المصالحة على كف عفريت، وان حكومة التوافق لم تستطع الاقلاع بعد في قطاع غزة بسبب منعه من قبل حركة حماس التي لم تعطها ادنى فرصة، وتقف لها بالمرصاد، وتغلق امامها كل الابواب والحقيقة ان علامات التوتر القائمة الآن بين حماس من جهة والكل الفلسطيني وعلى رأسه الشرعية الوطنية، لا يمكن اخفاؤه، ولا يمكن التقليل من خطورة تداعياته، وان المحاولات الجادة والعميقة والايجابية التي قامت فيها القيادة الفلسطينية لرأب الصدع لم تؤد حتى الآن الى اي نتيجة، تماما مثلما حصل منذ اعلنت حماس عن انطلاقتها في نهاية عام 1987الذي شهد انطلاق الانتفاضة الاولى، وخلال سنوات الانتفاضة جرت حوارات عديدة، ولقاءات متنوعة للوصول مع حماس الى الحد الادنى للحد الادنى مع الاتفاق على اي شيء ولكن دون جدوى، لدرجة ان تحرص حماس على تكريس الخلاف مع القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة اصبح عبئا ثقيلا على الانتفاضة نفسها، وكل عروض الشراكة المجزية التي قدمت لحماس من خلال الكل الفلسطيني ومؤسسة الشرعية ذهبت ادراج الرياح، الامر الذي اعطى الانطباع القاتم اليوم بان خلاف حماس مع الكل الوطني كان مقصودا لذاته، وان ضرب الشرعية الفلسطينية وتدمير وجدانية التمثيل الفلسطيني هو المقصود والمستهدف اولا واخيرا، وان خلاف حماس بصفتها جزءا من التنظيم الدولي للاخوان المسلمين هو خلاف وجودي وليس مجرد خلاف سياسي، فقد رأينا حماس تتبنى عبر النواب خيارات براغماتية اكثر من كل ما رفضته في علاقاتها مع الشرعية الفلسطينية، وهذا السلوك ايضا لم يكن جديدا، فقد كان الاخوان المسلمون موجودين في قلب الحركة الوطنية الفلسطينية التي استعادت حضورها بعد النكبة، ولكن حين انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة في مطلع عام 1965 ناصبها الاخوان المسلمين العداء على المكشوف، ولم يشاركوا فيها بأي جهد، وقد جرت محاولات فردية للمشاركة عندما انشات قاعدة (الشيوخ ) تحت سقف قوات العاصفة في الاغوار الاردنية بقيادة الشيخ المناضل عبد الله عزام الذي استشهد بعد ذلك في افغانستان، ولكن تلك محاولة كانت تعبر عن مزايا ذاتية لذلك الرجل الكبير يرحمه الله، ولم تكن تعبر عن تيار رئيسي في جماعة الاخوان المسلمين التي وضعت في اولوياتها المتقدمة في ذلك الوقت كابول وقندهار وفضلتهما على القدس وفلسطين .
وظل السؤال التراجيدي مطروحا حتى الآن، اين تضع حماس نفسها؟ هل تضع نفسها في الاولويات الفلسطينية ام في الاولويات الاخرى واعتقد انه دون ان نصل الى يقين قاطع في الاجابة عن هذا السؤال فسوف نظل نقوم بمحاولات تصل الى الذروة ثم تفشل وتسقط مسببة افدح الاضرار للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة مثلما حدث في تجربة الانقسام الاسود، ومثلما يحدث الآن في اعقاب العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة، فما ان وضعت الحرب اوزارها حتى وجدنا حماس تتفلت من كل متطلبات المصالحة، وتعترض طريقها بعنف، وتتنصل من كل ما فعلته يداها بانفراد دون ان تأخذ الكل الفلسطيني بالاعتبار كما انها عادت لتبحث لها عن شركاء من خارج البيت، وترفض اليد الايجابية من الشرعية الفلسطينية والكل الفلسطيني.
نحن الآن في الوقت الحرج واسرائيل تركت قطاع غزة حطاما فوق حطام وهناك أمل كبير وجهد هائل يبذل لاعادة الاعمار، فماذا تختار حماس؟ تعمير قطاع غزة، والنهوض بنموذجه الوطني تحت سقف المصالحة والوحدة أم ابقاءه رهينة تنزف الدماء؟ أين تضع حماس نفسها، مع فلسطين ومشروعها الوطني وحلمها النبيل أم مجرد عنصر اثارة في الصراعات الاقليمية المحتدمة.