الايام في قطاع غزة بعد توقف العدوان الاسرائيلي الغاشم الذي استمر واحداًً وخمسين يوما, تبدو بطيئة الى حد الجمود وثقيلة مثل اكوام الركام الذي خلفها العدوان الاسرائيلي عن سابق تخطيط واصرار وتعمد, ولم يعد احد من ابناء القطاع يصغي الى رقصات وزغاريد النصر الموهومة, ذلك ان الحقائق القاسية جدا على الارض والتي يراها ويعيشها اهل قطاع غزة اصدق مليون مرة من هذا الصراخ المنمق الذي يثير الكابة والملل والخوف الشامل الذي يسكن مع اهل قطاع غزة في صحوهم ونومهم, هو ان يعود القطاع على غرار سنوات الانقسام السوداء مجرد رهينة لتحالفات عجيبة واوهام بائدة واشلاء يتقاذفها اللاعبون وهم الاحتلال الاسرائيلي ومن معه من القوى الاقليمية في هذه المنطقة الموبوءة في الصراعات.
وعودة الى نقطة البداية : فإن العدوان الاسرائيلي اخذ غطاءه الشكلي من عملية اختطاف الشبان الاسرائيليين الثلاثة في الثاني عشر من حزيران الماضي !! وبطبيعة الحال فان خطة العدوان كانت جاهزة وكانت تناقش اسرائيليا في الدوائر المختصة بهدف افشال المفاوضات السياسية التي بدأت في نهاية تموز الماضي وانتهت في نهاية نيسان هذه السنة, حيث لم تستطع الادارة الاميركية ان توقف نتنياهو عن افشال المفاوضات, إما لانها لم تكن راغبة في ذلك او لانها عجزت عن ممارسة الضغط المطلوب. المهم ان افشال المفاوضات اسرائيليا كان لا بد ان يعقبه سياق جديد تمثل بهذا العدوان, وكان المستوى السياسي والامني الاسرائيلي يبحث عن ذريعة معقولة, فكانت عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة في الخليل والتي انتهت بقتلهم رغم كثرة الملابسات المحيرة, مثل اتصال احد المخطوفين بالشرطة الاسرائيلية التي لم تتجاوب بالسرعة المطلوبة في هذه الاحوال, كما لم يتم ابلاغ السلطة الوطنية التي وجه اليها معظم اللوم الا بعد ساعات طويلة وان احدا من الفصائل لم يتبنى هذه العملية, بل ان حماس نفت بشدة ان يكون لها اي علم او علاقة !! ثم جاءت قبيل نهاية الحرب اعترافات صالح العاروري وهو من قيادات حماس البارزين لتكون مفاجأة صادمة لكل الاطراف الفلسطينية واتضح بعد ذلك ان عملية الخطف كانت جزءا من سياق طويل وخطير, بل ان بعض المراقبين والمتابعين في العالم يقولون ان موافقة حماس على المصالحة في الثالث والعشرين من نيسان الماضي لم تكن سوى غطاء لما كانت تعد له بعد ذلك, وهكذا بعد عربدة اسرائيلية شملت كل ارجاء الضفة والقدس انتقل العدوان الاسرائيلي بعنفه الدموي الى قطاع غزة لتحدث الكارثة.
الخوف الذي سيطر على عقول ومشاعر اهل قطاع غزة من ان يعود القطاع الى دور الرهينة كما كان طيلة سنوات الانقسام الاسود, خاصة ان وقف اطلاق النار تم من خلال اعلان مصري وليس من خلال اتفاق, وانه في غضون شهر من بدء وقف اطلاق النار سيلتقي الوفدان الاسرائيلي والفلسطيني للتفاوض غير المباشر في القاهرة, وان الموضوعات المطروحة للنقاش كثيرة ومتعددة وبعضها مقحم مثل المطلب الاسرائيلي بنزع سلاح المقاومة, والمطالب الفلسطينية ببناء المطار والميناء وتعطيل الممر الامن. كما ان اعادة الاعمار التي هي الموضوع الملح والعاجل مرتبط باستقرار وقف اطلاق النار، ويتطلب بشكل حاسم وجود السلطة الوطنية لتكون هي البوابة المعتمدة التي يمر منها اعادة الاعمار وذلك من خلال حكومة التوافق الوطني التي لا يسمح لها حتى الان بممارسة صلاحياتها والامساك بكل الخيوط في قطاع غزة
الملفات صعبة وقلقة، والمصالحة الفلسطينية التي كانت هدفا للعدوان الاسرائيلي ما تزال في حالة هشة, تتناوشها الاخطار والسهام القاتلة, وما تطلبه حماس من هذه الحكومة هو طلبات تعجيزية بينما حماس لا تقدم لهذه الحكومة سوى الالغام والاتهامات والدعاية السياسية السلبية والتآمر المكشوف والاحباط المتعمد..فما هي التوقعات معروف ان الحالة الفلسطينية تدخل طورا جديدا وهو طور متقدم من الاشتباك مع الاحتلال الاسرائيلي الذي اصبح من المستحيل احتماله ولا بد من انهائه مهما كلف الامر, وكل ذلك يأتي في وضع عربي غارق حتى اذنيه في مواجهات طاحنة مع الارهاب الاسلامي, واضطراب العلاقات الدولية, وكان الامل ان تكون المصالحة هي قاعدة الثبات الفلسطيني, ولكن المصالحة ما ان تم الاعلان عنها حتى اندلعت الحرب الاخيرة التي ما زالت مستمرة, باشكال اخرى, واكتشفنا ان خيار المصالحة لدى حماس لم يكن جادا ولا صادقا وانما تعتريه ملابسات غامضة جدا, فحماس ما تزال تتفلت من كل التزام وطني, ولا تجد نفسها الا في اوعية الاخرين وفي هذا السيا ق فان زيارة ابو مازن للقاهرة امس اكثر من مهمة, لانها ستكون اطلالة عميقة مع مجلس وزراء الخارجية العرب, ولانها ستكون بحثا معمقا حول كل الملفات مع الرئيس عبد الفتاح السيسي, فنحن في هذا الطور من المواجهة مع الاحتلال ومع الاوضاع الداخلية الصعبة نحتاج الى تأكيد الرؤى المشتركة, وتأكيد التحالفات الرئيسية, والخروج من المناطق الرمادية التي تتركنا رهينة مثلما هو الحال في قطاع غزة, فاما ان حماس اهل للمصالحة وقابلة لدفع اثمانها, وقادرة على الانضواء تحت لواء الشرعية الوطنية والا فلا, فلا يمكن ان يرتهن نضالنا الوطني بمن يرفضون مشروعنا الوطني من اساسه.