كثيرون من أصدقاء أو من مؤيدي سلام فياض يسيئون للرجل، حينما يطالبون به رئيساً للوزراء بسبب رضى الأميركيين عنه أو قبول الإسرائيليين له، فهذا مسّ وإيذاء للرجل، وهم في مطالبتهم هذه يمثلون الدب الذي قتل صاحبه، من شدة حرصه عليه وانحيازه له . نجاح سلام فياض، يعود بداية، إلى مهنيته، حينما أجاد في إدارة المال، والحفاظ عليه، وتصريفه عبر القنوات الرسمية والشرعية، تحت غطاء القرارات الرسمية لصاحب الولاية، وصاحب الولاية، صاحب القرار، هو صاحب القرار السياسي، وليس المحاسب أو الصراف، ولذلك حينما يكون صاحب القرار السياسي، نظيفاً، يجعل ماله تحت إدارة مالية شفافة، ولهذا لم يكن سلام فياض صاحب قرار، بل كان إدارياً نظيفاً، فحظي باحترام قيادته السياسية أولاً وحظي باحترام شعبه ثانياً فانتخب نائباً في البرلمان عام 2006، وعندها لم يعد موظفاً إدارياً أو محاسباً رفيع المستوى، بل غدا شريكاً في الولاية العامة للسلطة الوطنية، من موقعه كشخصية وطنية مستقلة، ولهذا شارك في حكومة إسماعيل هنية الائتلافية بعد اتفاق مكة عام 2007 . حينما وقع الاختيار عليه ليكون رئيساً للوزراء، من قبل رئيس منظمة التحرير، رئيس السلطة الوطنية، رئيس حركة فتح، محمود عباس، فقد اختاره في اللحظة الحرجة، ووظّفه سياسياً أمام التحديات الصعبة، فحركت فتح في حينها كانت طريحة الهزائم المتتالية في الانتخابات البلدية العام 2005، وفي الانتخابات البرلمانية العام 2006، وأمام الانقلاب العام 2007، ولذلك كانت بحاجة لعاملين أساسيين: أولهما توسيع قاعدة الشراكة الوطنية لمواجهة الاحتلال والانقلاب على السواء، فكانت بحاجة إلى اليسار الفلسطيني، وبحاجة إلى التيار القومي، وبحاجة إلى المستقلين، وهي سياسة دأبت حركة فتح على ممارستها وأبدعت فيها خلال ولاية الرئيس الراحل ياسر عرفات، حتى تستطيع انتزاع قيادتها للشعب والمنظمة، وحتى تستطيع انتزاع حق منظمة التحرير في تمثيل الشعب العربي الفلسطيني تمثيلاً موحداً، في ظل سنوات طويلة من تمزيق الشعب الفلسطيني بين الجغرافية، وبين الولاءات الأردنية والسورية والمصرية وحتى الإسرائيلية للفلسطينيين الذين بقوا في مناطق 1948، وانخرط بعضهم في صفوف الأحزاب الصهيونية المعادية لشعبهم وخاصة حزبي العمل والليكود وغيرهما . وثانيهما بحاجة لشخصية مهنية وسياسية تتحلّى بالمصداقية وتتفرّغ لبناء مؤسسات الدولة على الأرض، تستجيب للشروط الوطنية أولاً واستحقاقات الدول المانحة وثقتها ثانياً، فوقع اختيار أبو مازن على سلام فياض النائب في المجلس التشريعي ووزير المالية في حكومة إسماعيل هنية الائتلافية . بعد توليه رئاسة الحكومة نجح سلام فياض في مهمتين : الأولى تشكيل حكومة وطنية ائتلافية من "فتح" و"الديمقراطية" وحزب الشعب و"فدا" و"النضال" وعدد من الشخصيات المهنية المستقلة، وهذا كان أول وأهم شروط النجاح، وليس مهنيته أو قدرته على الإدارة، بل قدرته على التصويب والانقضاض على الأولويات والتقاطها وجعلها عنواناً للمرحلة . الثانية استطاع بلورة وصياغة برنامج وطني إجرائي تنفيذي انعكاساً لبرنامج منظمة التحرير وسلطتها الوطنية، واستجابة لبرنامج الرئيس "أبو مازن" وخطته في العمل والذي تفرغ كلياً لإدارة المعركة السياسية على المستويات العربية والدولية، ونجح "أبو مازن" في ذلك على الرغم من التفوق السياسي الإسرائيلي، ولكنه لم ينجح في تحركاته السياسية العربية والدولية لولا قدرة حكومته ورئيسها على تطبيق مشروع البرنامج الوطني الفلسطيني على الأرض والاستجابة له والإخلاص لمتطلباته واستحقاقاته . وقد عمل سلام فياض ونفذ برنامجه، في مواجهة ثلاثة عوامل تعجيزية: أولها استعصاءات الاحتلال وإجراءاته المعيقة. ثانيها تلبية احتياجات الفلسطينيين الحيوية ومتطلبات حياتهم المعيشية من حيث الرواتب والتنمية. ثالثها عدم التصادم مع سلطة الانقلاب في قطاع غزة ومحاولات تحييدها ما أمكن، من أجل تلبية احتياجات أهل القطاع . لذلك، نجاح سلام فياض الوطني هو السبب الرئيس وراء دعوة "أبو مازن" وغيره لعرض اسم سلام فياض على طاولة الحوار الثنائي بين "فتح" و"حماس"، وعدم رفض "حماس" له علناً يعود إلى أنه لم يواجهها بالعداء وإن كان يختلف معها، مثلما يختلف مع العديد من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح وفي طليعتهم المكلف التفاوضَ مع "حماس" عزام الأحمد . ومع ذلك لا "حماس" وشروطها الوطنية، ولا "فتح" وبعض أعضاء لجنتها المركزية قادرون على تسجيل ملاحظات جوهرية على الرجل تمسّ وطنيته وقدرته على التكيّف ووفاءه للمشروع الكفاحي الذي تمثله كل من "فتح" و"حماس" وباقي الفصائل وكافة المكونات الوطنية، في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي . سلام فياض، شخصية مستقلة أثبت قدرته على العمل في ظل معطيات خارجة عن إرادة كافة الفلسطينيين في الضفة والقدس والقطاع. فالطرفان "فتح" و"حماس" يقفان في الموقع الأضعف في مواجهة الاحتلال، وكلاهما يحتاج إلى وحدة الشعب والمجتمع والبرنامج والأداة في مواجهة الاحتلال، وعليهما بالضرورة أن يبحثا عن أوسع ائتلاف وطني ومهني، لإدارة الحكومة، والحكومة هنا لن تكون مجرد موظفين تابعين للحركتين، بل حكومة تحظى بثقة الرئيس وتنفذ برنامجه، وحكومة تحظى بثقة المجلس التشريعي ورضاه، مثلما تحظى بثقة الرأي العام الفلسطيني ويقظته، سواء أكان رئيسها سلام فياض أم غيره من الشخصيات التي يمكن أن يقع عليها الاتفاق الفلسطيني الموحد الذي تمثله في هذه المرحلة، وحدة الموقف والاختيار بين "فتح" و"حماس" | |
سلام فيّاض في الميزان:
23-05-2011
مشاهدة: 891
حمادة فراعنة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها