يستمر إضراب الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين الإداريين في سجون الاحتلال لليوم التاسع والأربعين فيما يدخل اضراب الأسير أيمن طبيش يومه الرابع بعد المائة، وحسب معلومات وزارة الأسرى والمحررين يبلغ عدد الاسرى المضربين عن الطعام بصورة دائمة مائتين وتسعة وستين اسيراً ومعتقلاً، بينما يشارك في الإضراب بصور مختلفة أكثر من ألف وخمسمائة أسير.
 
ومن المرجح أن يتفاقم وضع الأسرى المضربين سوءًا بعد نقل حوالي سبعين منهم إلى المستشفيات الإسرائيلية في محاولة من سلطات الاحتلال منع حصول استشهاد اي أسير من ناحية، والضغط على الاسرى لفك إضرابهم من الناحية الأخرى خاصة وأن الطواقم الطبية في المستشفيات تحاول استخدام ورقة تعرض الأسرى لخطر الموت لدفعهم لفك الإضراب.
 
ويترافق مع تدهور الوضع الصحي لعدد كبير من الأسرى المضربين تصاعد الحملة الإسرائيلية التي تستهدف فك إضرابهم بالقوة، لأن عدم فك الإضراب معناه انتصار الأسرى في هذه المعركة في نهاية المطاف. ولهذا تقوم الحكومة الإسرائيلية وفي سباق مع الزمن بتسريع عملية تشريع قانون فك الإضراب بالقوة الذي أقر فلي اللجنة الوزارية لشؤون التشريع ثم أقرتها الكنيست بالقراءة الأولى في يوم الاثنين الماضي، ويحتاج حتى يقر بالقراءتين الثانية والثالثة عدة أسابيع قد تنجح الحكومة في تقصيرها خوفاً من تعرض الأسرى للاستشهاد خلال هذه الفترة.
 
ولا يهم حكومة نتنياهو ما تتعرض له من انتقادات على سن القانون الجديد الذي يتناقض مع حقوق الانسان وتعارضه نقابات الأطباء في إسرائيل، وهو قانون يتناقض مع قوانين إسرائيلية حاولت فيها السلطات تقديم نفسها بصورة من يراعي ليس فقط حقوق الإنسان بل وحتى حقوق الحيوانات والطيور ، مثل قانون منع إطعام الاوز بالقوة ، فكيف يمكن أن يتماشى قانون اطعام الاسرى بالقوة مع صورة الديمقراطية الإسرائيلية الكاذبة.
 
من الطبيعي أن يظهر جهاز المخابرات "الشاباك" في الصورة عند الحديث حول اعتقال الأسرى فهو الذي يجمع المعلومات حولهم وهو الذي يقرر الاعتقال. ولكن أن يظهر بهذه الصورة المتشددة والذي يقف وراء الحكومة في تشددها حيال الإفراج عن الاسرى المضربين حتى لو أدى الإضراب إلى استشهاد بعضهم وادعاء أن إسرائيل قادرة على مواجهة الموقف ، حسب ما نقلته صحيفة "هآرتس" عن رئيس الجهاز يورام كوهين ، فهذا غريب ولكنه مفهوم لأن موضوع المعتقلين الإداريين أصلاً مرتبط بمعلومات هذا الجهاز تحديداً ، وما يقال أنه ملفات سرية يحتفظ بها ولا يجوز عرضها في المحاكم لمحاكمة المعتقلين الإداريين.
 
فالموضوع يمس عمل "الشباك" بغض النظر عن حقيقة ما لديه من معلومات هي بالأساس شبهات أو ادعاءات لأسباب سياسية ، فمعظم المعتقلين الإداريين ينتمون لفصائل بعينها واعتقلوا على خلفية نشاط سياسي على الأغلب لا علاقة له بالأمن الإسرائيلي المزعوم ، إلا إذا اعتبرت اسرائيل أن من ينطق بكلمة ضد الاحتلال يمس بأمنها.
 
وعندما تضطر الحكومة الإسرائيلية للإفراج عن معتقل إداري فهذا يعتبر ضربة لجهاز " الشاباك" خاصة في ظل الادعاء بامتلاك الملف الأمني السري الذي لا يتيح محاكمة المعتقل وتبيان صحة الادعاءات ضده. من هذا المنطلق يحارب رئيس الجهاز من أجل الاحتفاظ بالحق في اعتقال من يشاء دون دلائل ومستمسكات تثبت قيام الشخص الذي يتعرض للاعتقال بمخالفة لقوانين الاحتلال وأوامره العسكرية التي هي أصلاً منافية للقانون الدولي ولاتفاقيات جنيف لعام 1949.إذاً فجهاز "الشباك" يدافع عن سمعته ويدافع عن امتيازاته التي يكفلها له الاعتقال الإداري اللا محدود بمدة والقابل للتمديد والذي يثبت أساساً فشل هذا الجهاز في الحصول على معلومات تدين المعتقلين الإداريين ، ولو كانت لديه معلومات تتيح تقديمهم للمحاكمة ما كان لينتظر وليضع نفسه في هذا الموقف.
 
إضراب المعتقلين الإداريين من المفروض أن يتحول إلى معركة وطنية كبرى من أجل الغاء هذا الشكل الجائر من الاعتقال الذي لم يعد يطبق في معظم بلدان العالم ، وتحتفظ إسرائيل به كوسيلة لمعاقبة الفلسطينيين سياسياً على أي موقف أو نشاط حتى لو لم يكن يخالف أوامر الاحتلال العسكرية وقوانينه الظالمة ، و ايضاً من أجل تطبيق المعاهدات والمواثيق الدولية على الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، فلم يعد الاسرى في وضع يسمح بإعلان إضراب كل يوم أو كل عام فالإضراب وإن كان فعلاً نضالياً بطولياً يعتمد على التضحية بالنفس من أجل تحقيق أهداف وطنية محددة وفي حالتنا هذه يهدف إلى انتزاع الحرية، يعرض حياة المعتقلين للخطر وينهك قوتهم الجسدية ويلحق اضراراً عميقة وبعيدة المدى بصحتهم. ولهذا ينبغي أن يتحول موضوع تقصير مدة الإضراب ما امكن على الأجندة الوطنية لإنقاذ حياة الأسرى ومنع الحاق الأذى بهم ، على أساس ضمان تحقيقهم النصر على سجانيهم.
 
للأسف نحن لا نزال بعيدين عن إدارة معركة التضامن مع الأسرى ونصرتهم بالطريقة الصحيحة التي تؤمن استثمار ما نمتلك من طاقات وموارد وإمكانات على المستويين الشعبي والرسمي وما حصل في الخليل قبل يومين ، حيث تحول التضامن مع الأسرى إلى صراع فصائلي ينم عن العصبوية التنظيمية ، بقول أننا لم نرتق بعد إلى مستوى الإحساس بالخطر الذي يتعرض له الأسرى والواجب تجاه دعمهم.
 
هناك ضرورة للقيام بحملة دولية تشارك فيها وزارة الخارجية مع سفاراتنا في بلدان العالم المعنية ومع منظمات المجتمع المدني للتوجه إلى المؤسسات الدولية المختلفة لوضع حد للسياسة الإسرائيلية تجاه الأسرى ، فما جدوى انضمامنا لاتفاقيات جنيف والبروتوكول الملحق إذا لم نكن قادرين على استثمارها لصالح قضيتنا الوطنية بما فيها قضية الأسرى. وما حاجتنا للفصائل إذا لم تكن قادرة على تحريك الشارع في حملة تضامن شعبي واسعة تجعل إسرائيل تحس بحرارتها وتفكر في تبعات استمرار اعتقال هؤلاء المناضلين؟!