إن التنظيم السياسي يشكّلُ جسدا تتكامل فيه مكوناته، وتتفاعل، بلا انقطاع، وهي في تفاعلها الدائم تحافظ على حيوية الجسد  وديمومته في حركّية دؤوبة لاتهدأ، أكانت هذه الحركية مرتبطة }بالحوار أم الفعل{.

إن التفاعل المكتمل الدائرة في داخل جسد التنظيم يقتضي حُسن التعاطي مع المسار (المسارات)، وهذا الحُسن يقتضي التبادلية، ولا يعني مسارا باتجاه واحد أبدا، بمعنى أن مجرى الحركة ومسارها المتدفق (السلوك : الحوار والفعل) يسير من أعلى إلى أسفل، وأيضا بالعكس أي من أسفل إلى أعلى (في تراتبية الهيكل التنظيمي الهرمي) ، كما يسير في داخل المرء ذاته وحواره النفسي-الروحي الفكري، كما يسير أفقيا (داخل الوحدة التنظيمية من خلية إلى إقليم في حركة فتح، وكافة التنظيمات ، أو داخل آليات الاتصال في الاجتماعات والندوات والدورات ... ) ، وهذا يقتضي إتاحة الفرصة اللازمة للأعضاء لأن يقدموا ما لديهم من أفكار وتجارب واقتراحات بحرية، دون بخس لآرائهم أو مبادراتهم ، ودون تقليل من شانهم ودون محاولات لفرض الرأي الواحد.

 في التفاعلات الكيميائية يتم ترتيب الذرات في الجزيئات الكيميائية ،و في مثل هذا التفاعل نشهد اتحاد بعض الجزيئات بطرق أخرى لتكوين شكل من مركب أكبر أو أعقد، أو تفكك المركبات لتكوين جزيئات أصغر، أو إعادة ترتيب الذرات في المركّب. والتفاعلات الكيميائية تشمل عادة تكسّر أو تكوين روابط كيميائية. ومن أنواع التفاعل: ما يؤدي لتغيير جزئي أو كلي، ومنه ما يؤدي للاندماج والانصهار وتكوين مركب جديد، ومنه ما يؤدي لتفكك وبالتالي خروج وانهيار.

 ومن التفاعلات (الكيميائية) ما يكون ناشرا للحراة ومنها الماص للحرارة على ما يذكر علماء الكيمياء، وهل ترى التفاعلات الإنسانية ببعيدة عن هذا التوصيف؟ لا أظن ذلك. رغم تعقد الذات الإنسانية والتعامل معها، إذ أنها تحتاج لتحقيق التوازن فيها –ومعها- على المتعاملين مع الكادر ومع الناس-بل ومع أنفسهم- أن يدركوا أولا أهمية وضرورة وحساسية المكونات (الذات/الناس) والبيئة أو الوسط المحيط، وطبيعة التعامل محكوما بالفعل ورد الفعل، وأيضا الهدف والنتيجة، وهنا نحن نرى أن التفاعل المكتمل نريده في التنظيم أن يكون ناشرا لحرارة الإيمان والعمل للجميع، أن يُحدث تغييرات بالشخصيات داخل التنظيم بما يمكّن من حصول الاندماج واحتكاك وانصهار الأفكار في بوتقة تحقق نتيجة واحدة مأمولة.

حوض الماء والتفاعل في التنظيم

 إن مستوى الماء في الحوض (والحنفية مفتوحة عليه) يرتفع حتى يفيض في نهاية الأمر. ماذا يحدث إن تدفق الماء خارجا أسرع من تدفقه للداخل؟ يبدأ مستوى الماء بالنزول. وأخيرا، نرى أننا إن استمرينا بتدفق الماء بنفس المعدل لتدفقه إلى الخارج فإن مستوى الماء سيبقى ثابتا؟

إن محاكاة حوض الاستحمام هذه تبين هيكلية " التجميع و التدفق" التي توجد في أنظمة مختلفة من حولنا ومنها في التنظيم السياسي.

 إن الخزن هو تراكم.، والماء في الحوض هو المخزون المتراكم. فإن استطعنا تحقيق التوازن في أطار المخزون المجمع، والتدفق الناتج فإننا نكون قد أدخلنا التنظيم في مرحلة الاستقرار وفي التفاعل المكتمل الذي نتحدث عنه ونهدف منه لتحقيق هذا التوازن

 من أشكال التفاعل الاجتماعي (ومنه التنظيمي: حيث أن التنظيم تفاعل بين جماعة انسانية لديها فكر وأهداف مشتركة وقوانين وتقوم بعمل) التعاون والتنافس والتوافق والصراع، ويتضمن التفاعل الاجتماعي (كما يشير موقع بذورالكوكب العلمي-بلانت سيد)التفاعل أو التأثير المتبادل لسلوك الأفراد والجماعات الذي يتم عادة عن طريق الاتصال الذي يتضمن بدروه العديد من الرموز وهناك علاقة بين أهداف الجماعة وما يتطلبه تحقيق تلك الأهداف من تفاعل اجتماعي يُيَسّر وصول الجماعة إلى تحقيق أهدافها

 استنتج مظفر شريف (أحد مؤسسي علم النفس الاجتماعي) من خلال تجاربه انه عندما يتفاعل أعضاء الجماعة قاصدين تحقيق هدف مشترك فانه مع الوقت يبرز بناء الجماعة، ينظم الأعضاء في مراكز وادوار تحددها معايير تحكم السلوك الاجتماعي وتكون أساس الاتجاهات الاجتماعية نحو الموضوعات والأشخاص ويحدث تفاعل اجتماعي بين جماعتين أو أكثر يلونه التنافس وتسوده المواقف المحبطة وتنمو اتجاهات سالبة نحو بعضها البعض، ووجد أيضا عندما تكون الجماعات حتى وان كان بينها توتر ويتم بينها تفاعل اجتماعي نحو هدف مشترك لا يمكن تحقيقه بجهد جماعة واحدة فان الجماعات تميل إلى التعاون ويقل من خلال هذا التفاعل ما بينها من صراعات واتجاهات سالبة.

 إن التفاعل داخل جسد التنظيم يسير من أعلى إلى أسفل، فنرى الاتصالات المتيسرة والمتابعة والتخطيط وصدور القرارات والرقابة، وتسير من أسفل إلى أعلى (في الهرم التنظيمي) فنرى الأعمال ونسمع الآراء والمقترحات وتُقدّم التقارير ومحاضر الاجتماعات وسجلات النشاطات والاشتراكات المالية ، وبدون هذه الحركية الرائقة ، التي وجب تميّزها بالسلاسة واللّيونة والتدفق ينسد مجرى النهر التنظيمي ويتوقف التدفق.