وضع الرئيس ابو مازن الأمتين العربية والاسلامية أمام مسؤولياتهما التاريخية والدينية، وبيّن لقادة ورؤساء وملوك وشعوب دولهما الخطر الحقيقي المهدد لوجود المسجد الأقصى، والمعالم العربية للمدينة المقدسة (القدس) بمقدساتها الاسلامية والمسيحية، وطالب بقرارات حقيقية، تنفذ فورا، لحماية الأقصى والدفاع عنه، فالحفريات الاسرائيلية باتت بمثابة الديناميت المؤقت، تهدد اساسات اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالانهيار – هذا ان لم يكن تدميرا متعمدا – أما خطط الاستيلاء على الحرم القدسي بتقسيمه – احدث مقترح اسرائيلي - بين المسلمين واليهود كما حدث للحرم الابراهيمي، تمهيدا لتهويده!!.
بدا بيان الرئاسة بالأمس والمصادف مع ذكرى احتلال القدس في الخامس من حزيران عام 1967 بمثابة صرخة في فضاء العالمين العربي والاسلامي، تحض الجميع، قادة سياسيين وروحيين، منظمات وجمعيات ولجان، مؤسسات وأحزاب وقوى حكومية وشعبية الى جعل القدس وجهتها ومقصدها وهدفها، فالمدينة بمعالمها ورموزها المقدسة الاسلامية والمسيحية، عرضة لهجمات وحملات منظمة من المستوطنين والمتطرفين اليهود، وانتهاكات بحماية جيش الاحتلال وتشجيع من حكومة نتنياهو الأشد تطرفا في تاريخ الصراع العربي الفلسطيني - الاسرائيلي، فحكومة دولة الاحتلال تمضي بمخطط تهويد المدينة، بالاستيلاء على أهم معالمها، ومحاولة تبرير انهيار المسجد الأقصى من اساساته بالحفريات اسفله، ان لم تستطع فرض تقسيمه، لتقطع بذلك وللأبد أي امل بحل الدولتين، فقادة اسرائيل يعلمون أن دولة فلسطينية مستقلة لا معنى لها دون القدس، وان القدس الشرقية دون الأقصى والحرم القدسي وكنيسة القيامة وباقي الرموز المقدسة فيها لا معنى لها ايضا، فالفلسطينيون لا يبحثون عن بقعة جغرافية كعاصمة لدولتهم، وانما يناضلون لتأكيد أحقيتهم التاريخية بمدينتهم المقدسة، وبهويتها العربية، وأبديتها كعاصمة سياسية لدولة فلسطين الى جانب قيمتها ومكانتها لدى كل المؤمنين في العالم، فهكذا كانت عشرات القرون قبل انشاء دولة اسرائيل قبل 66عاما وستبقى الى الأبد، فالفلسطينيون يدركون جيدا حجم ونوعية المسؤولية والأمانة التاريخية والدينية في حماية المقدسات والدفاع عنها، لكنهم يتطلعون الى دور عربي، اسلامي ومسيحي رسمي وشعبي منظم، عبر رحلات الحج والسياحة وزيارة الفلسطينيين المقدسيين الصامدين في مركز طوق نيران الاحتلال الاسرائيلي، والتواصل معهم، ودعم وجودهم، فهؤلاء برهان على الجذور العربية للمدينة المقدسة، ولا بد من الايمان بصبر وصمود وأمانة اهل البرهان.
لا يعقل استمرار مظاهرات كل جمعة من أجل كرسي حكم زال، ولا يعقل اعلان ما يسمونه "الجهاد " من اجل قتل اشقاء في الوطن أو قتال بينهم، ولا يعقل الاصغاء لفتاوى، مصدريها الف علامة استفهام !! فيما القدس تستصرخ الضمائر الانسانية مع كل آذان وقرعة جرس !! أما مئات الملايين المصروفة في أماكن الترفيه والسياحة في العالم، فان القدس أحق بعشرها على الأقل.
تهون على الشعوب والأمم أراوحها اذا ما وضعت طهارة وحرية المقدسات معيارا للانتماء والولاء للوطن، حتى وان اعتبرنا حجر البيت والوادي في الوطن مقدس أيضا فالمقدسات محور الوطن والهوية الوطنية وخاصة في الحالة الفلسطينية، فأصحاب المشروع الصهيوني لا يملكون في فلسطين مقدسا واحدا يستطيعون تسويقه امام العالم، ولا يجدون غير اغتصاب هويتنا الثقافية لتسويقها وترويجها لصالحهم بعد تحوير وتزوير في ظل انكفائنا عنها تركها عرضة للاغتصاب.