الى حين لحظة الإعلان عن التشكيلة الحكومية الوفاقية اللا فصائلية؛ سنظل نضرع الى الله، مفعمين بالرجاء ألا تُعاد تسمية واحد من وزراء السبع العجاف. فهؤلاء الذين فازوا بفردوس الغياب التام، لأية جهة تراقب وتستجوب، فتحجب الثقة أو تضيء الإشارة الحمراء؛ بات معظمهم جزءاً من حكاية التردي، ولن يُستعاد الأمل، في المؤسسات في الروح، إن عاد واحد ممن أساءوا وأوقعوا الكوارث في دوائر مسؤولياتهم التي أفلتت من كل عقال!
سبع سنوات مرت، على حكومتين لشعب واحد، كل منهما فارقت معناها. الأولى تجاوزت بسنوات، كل الأسقف المُتخيّلة، لزمن "التسيير" ذي الطابع الانتقالي والمؤقت، وتخطت كل آماد التعيين الاستثنائي، الذي إن لم تبرره الحروب، تفرضه وقائع الفراغ الدستوري الناجمة عن الزلازل السياسية، حتى أصابت مواضع الجسم الحساسة بجَرَبٍ خطير. والثانية هي "المُقالة" التي استعصت على إقالتها، وبدأت بعد ما سمته "حسماً"؛ التأهب لاستعادة غرناطة، ثم انتهت الى إغلاق موضوعي، وتنشيف، لكل شىء. من الأفق، الى النفق، الى المعبر. ومن "ريق" الناس الى وميض الأمل، ومن وحدة الأسرة الى تفرق أعضائها، فخوزقت المقاومة والسياسة معاً.
ربما لا ينطبق على التكنوقراط المنتظرين، معنى كونهم مختصين في قطاعات عملهم الوزاري. فهم على الأرجح ممن سيوصفون بكونهم "مستقلين" أو غير فصائليين. وهذه هي تسميتهم الأدق، حتى وإن لم يكن ثمة مستقل في دنيا الشباب الفلسطيني. فمن لا ينتمي لفصيل، يميل اليه، ومن لا يميل ولا ينتمي، فإنه لم يجد لنفسه المكان والاستحقاق الذي أحس بجدارته بهما. غير أن التعيين على قاعدة الاستقلالية، من شأنه أن يحث الفائز بالتوصيف والتعيين على الأخذ بدرجة من الحيادية، ربما تكون كافية ومعقولة، وأن تفتح باب الأمل لأن تكون حيادية في النظرة الى الكل الاجتماعي الفلسطيني، مثلما هي حيادية حيال رزمة العناوين الفصائلية. الفلسطينيون هم الشعب والأهل والعشيرة، وأبناؤهم أبناؤنا، وشهداؤهم هم شهداء القضية، كل القضية، والوطن كل الوطن. وعندما يتعلق الأمر بالحقوق والواجبات، يصبح من الإسفاف الذي يطيح بالأمانة، الانتقاء بموجب نزعات عشائرية وجهوية.
لم يحن بعد، وقت وضع النقاط على الحروف. ربما كان الضرر الناجم عن وضعها في حينها، أكثر ضرراً منها. ما يصح قوله، هو أن ليس أقسى من الذي مضى. أما المحتلون النصابون الأوغاد، فإن نصوصهم تزداد هشاشة وقد باتت فائحة عفونتها، يشمها الأبعدون، مثلما يشمها ضحاياهم والأقربون منهم، منذ زمن بعيد. فما علينا إلا أن ننصف أنفسنا لكي ينصفنا الآخرون. وفي هذا السياق نقول إنه حتى الفصائلي الوطني الجيد، الذي يؤدي واجبه على قاعدة انتمائه، لن يكون في نظرته الى المجتمع، إلا منصفاً حيال من يخالفونه الرأي بشرف، فلا ينكر عليهم حقوقهم.
لعلنا بالتكنونقراط نتنفس، ويا ليت الحياة تستمر بالتكنوقراط، إن كان البديل هو الفصائلي الرديء. فهذا الأخير، يشطب أول ما يشطب، قيمة الإخاء أو الأبوة، التي يفترض أنها تجمعه بناس الفصيل الذي ينتمي اليه، في كل الوطن، وينحاز لمناخاته الضيقة ويتنفس هواءها الناقص. في ذلك هو يخوزق العنوان الفصائلي مرتين، واحدة عندما يُحسب على هذا العنوان ويُسيء ويحقن مناخاته برميم الهواء، ومرة عندما يسهم في مفاقمة الاحتقانات داخل الفصيل نفسه.
مجموعة المستقلين المنتظرة، يمكن ان تعتلي المنصة بالتزامن مع قيامة جديدة للمجلس التشريعي في فصله الأخير. تقدم الأولى بيانها الوزاري الذي يحدد أهدافها، أما الثاني، فهو الذي يراقبها ويستجوب وزراءها ويضبط سلوكها ويضمن دستورية قراراتها. ففي السنوات العجاف التي لم تنته بعد، لم يكن أحد يسأل أحداً. في "تصريف الأعمال" بل لم يكن رئيس الحكومة نفسه قادراً على المساءلة والتقويم بمعناهما الشامل، الذي يطال كل أعضاء حكومته ووزاراتها. فليس من نصير مؤسسي له. لم يطرح أحد السؤال الجوهري والأهم: كيف سننهض بمجتمع يتعين عليه أن يقاوم بكل قدرته على الصمود، أعتى هجمة استعمارية، بجيشها النظامي ومخابراتها والهمج المستوطنين، دون أن تكون الطليعة التي تحكم، مقنعة وشفافة ونزيهة وأمثولة في السلوك وفي الوعي؟ إنه سؤال يتناسل ويتفرع الى أسئلة: كيف سنجعل الفلسطينيين فخورين بالحكم الذي يقودهم الى الاستقلال والحرية؟ كيف سنجعلهم يرون في التعدي على السلطة، في السياسة والأمن والاقتصاد، تعدياً عليهم؟ كيف ننتقي القادرين على النهوض بالوعي الوطني الجمعي، لكي يكون الفلسطينيون محصنين ضد عناصر الرقاعة السياسية وضد المغامرات الرعناء؟ كيف نحيا في ظل العدالة ومع انحناء كل الهامات أمام القانون؟
قبل أن نتنسم هواء بالون التكنوقراط التوافقي؛ يحدونا الرجاء بأن يكون الهواء نظيفاً مئة بالمئة، وليس تسعة وتسعين. ومن ثَمَ، لا بد من توصيف للهدف وللمرحلة وللطموح في الزمن الآتي. لا بد من شىء آخر. إن أنصع خطابات السياسة، لن تغطي على أقل الأدران والرزايا في إدارة حياة المجتمع. نرحب بحكومة تكنوقراط تظهر سريعاً، وسيكون لنا في شأن كل عرس من أمرها وأدائها قُرص، ولتأت .. لعلنا نتنفس!