عاد نتنياهو الى اسطوانة قادة اسرائيل الاستيطانية المشروخة "الانسحاب احادي الجانب" من بعض الاراضي الفلسطينية المحتلة، وضم الكتل الاستيطانية الكبرى. جاء ذلك في مقابلة مع الصحفي الاميركي "جيفري غولدبرغ" في قناة "بلومبرغ" عندما مهد لموقفة بالقول:" انه من غير الممكن، بل من المستحيل التوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين" وبالتالي النتيجة، التي القاها على "مزاج" الشارع الاسرائيلي السياسي، هي كما قال "والكثير من الاسرائيليين يدرسون اتخاذ خطوات احادية"!؟
واضاف بيبي في تناقض فاضح مع ما خلص له آنفا، حين عاد ليمارس التضليل، قائلا :" دعني اوضح المفاوضات دائما هي الافضل". وحتى يغطي موقفه المعادي للسلام والمفاوضات، لجأ الى تحميل القيادة الفلسطينية مسؤولية فشل وانسداد الافق، فادعى:" ولكن فشل ستة رؤساء حكومة منذ اوسلو في محاولة الوصول الى تسوية متفق عليها". حال دونها، بسبب "عدم وجود قيادة فلسطينية تستطيع فعل ذلك". ويتابع قلب الحقيقة والوقائع المعروفة للعالم اجمع، فيقول" لا يستطيع الفلسطينيون الموافقة على ادنى حد من الشروط، التي تضعها كل حكومة اسرائيلية". ولم يقل ما هي الشروط الاستيطانية الاسرائيلية مباشرة، فلجأ اولا لتحميل الرئيس أبي مازن والمصالحة الفلسطينية المسؤولية، حين قال" هل تتوقع حقا من ابو مازن، الذي يحتضن حماس، ان يتوصل الى اتفاق من خلال المفاوضات؟". فيخلص للتأكيد " لا شك انه لن يحدث".
غير انه بق البحصة الاسرائيلية وشروط رؤساء الحكومات المتعاقبة المتناقضة مع خيار السلام، حين اعلن بشكل لا يتحمل الالتباس او الغموض او التنجيم :" لا نريد دولة ثنائية القومية" ليس هذا فحسب، بل انه ايضا " لا نريد دولة فلسطينية – ايرانية على مدخل بابنا". وكأن لسان حال رئيس الحكومة الاسرائيلية يكرر المثل التعجيزي القائل" مقسوم لا تأكل، وصحيح لا تقسم.. وكل قدر ما تستطيع!".
ماذا تريد القيادة الاسرائيلية بالضبط؟ ان كانت لا تريد دولة ثنائية القومية، ولا تريد دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة، اذاً ماذا تريد؟ وما هي المفاوضات، التي يريدها، ويعتقد انها الافضل؟ هل يريد المفاوضات من اجل المفاوضات ام يريد مفاوضات املائية من طرف المستوطن الاسرائيلي على القيادة الفلسطينية، حاملة راية التحرر والانعتاق من ربقة الاحتلال؟ وكيف تستقيم التسوية مع هكذا رؤية؟ وهل هكذا طرح يسهل الوصول للتسوية السياسية؟ وعن اي دولة فلسطينية تحدث زعيم ائتلاف الليكود بيتنا في بار ايلان؟ ما هي حدودها ؟ وما هي شروط مكوناتها؟ وهل الانسحاب الاحادي الجانب من بعض المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 يؤدي الى السلام؟ ام ان نتنياهو يعتقد ان القيادة الفلسطينية مجموعة من "العملاء" الضعفاء أسوة بانطون لحد وسعد حداد؟ وما الذي دفع رئيس حكومة اسرائيل للتجرؤ والاعلان عن رفضه لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟
بغض النظر عن ردود الفعل الاسرائيلية المتباينة، فان اي مراقب يملك حدا ادنى من الوعي، يخلص الى النتيجة المنطقية التالية اولا نتنياهو شاء القول بالفم الملآن، انه وحكومته لا يريدون تسوية سياسية؛ ثانيا الحديث عن المفاوضات، المقصود بها مفاوضات الملهاة للفلسطينيين من جهة، وتثبيت الوقائع الجديدة على الارض من خلال عملية التهويد للارض الفلسطينية العربية من جهة اخرى؛ ثالثا رفض مبدئي لاقامة الدولة الفلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس؛ رابعا ضم الكتل الاستيطانية وعموم الضفة الفلسطينية لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية، والتخندق في خنادق الاستيطان؛ خامسا العمل على اعادة المنطقة برمتها الى دوامة العنف والحروب؛ سادسا الركون الى ان الولايات المتحدة وباقي اقطاب "الرباعية الدولية"، لن يتخذوا اية عقوبات ضده او ضد حكومته.
وايا كانت التفسيرات، التي اطلقها مكتب نتنياهو للتخفيف من تناقضاته المفضوحة، فان القيادة الفلسطينية مصممة على التمسك بخيار السلام، وبذات القدر واكثر متمسكة بخيار الوحدة الوطنية، واعادة الاعتبار لها بطي صفحة الانقلاب الاسود، ولا ترى اية تناقض بين المصالحة والتسوية، لا بل انها ترى ان المصالحة تعزز عملية السلام. كما ان القيادة والرئيس عباس، لن يفرطوا بأي انجاز وطني تحقق خاصة الاعتراف الاممي بالدولة الفلسطينية، عندما رفع مكانة فلسطين الى دولة مراقب. اضف الى انها (القيادة) قدمت كل الاستحقاقات تجاه عملية السلام.
متاهة نتنياهو الاستيطانية كما غيره من قادة الحكومات السابقة او اللاحقة، لن تتمكن من فرض خيارها التدميري على القيادة الفلسطينية.