مثل ملايين المواطنين العرب، فإنني أتابع تطورات الأحداث في مصر، وأعتقد أن الوطنية المصرية في هذه الأيام العصيبة والتاريخية تنهض بقوة، وتستعيد صوتها الحقيقي الذي حاول سماسرة الفوضى إغراقه في ضجيج الإعلام الدولي الموجّه الذي مثلته قنوات الجزيرة وB.B.C، والحرة، وبعض الوسائط الأخرى التابعة، واتضح في الأيام الأخيرة، أنه لا يمكن هكذا ببساطة سرقة صوت الشعب المصري، ولا يمكن سرقة آماله وطموحاته وتضحياته، ولا يمكن دفعه إلى الهاوية وهو معصوب العينين بموجات الضجيج المخادع.

الصورة في ميدان التحرير، صورة المحتجين، بدأت تعود إلى حجمها الحقيقي، هناك شباب، ليسوا من اتجاه واحد، بل من اتجاهات متعددة، يطالبون بإصلاحات دستورية وقانونية وسياسية واقتصادية واجتماعية، المطالبة في حد ذاتها محقة جداً، وهي تشكل هاجس الجميع منذ سنوات، قطعت أشواطاً مرضية في بعض الحالات، وتعثرت في أحيان أخرى، وهذا أمر طبيعي ليس فيه أدنى مفاجأة، لأنه بين الفكرة والتطبيق توجد دائماً هوة على نحو ما، ولابد من البحث عن أفضل الوسائل لاجتيازها، والرئيس محمد حسني مبارك بصفته المؤهل دستورياً لإحداث هذا التغيير، وضع العربة على السكة الصحيحة، وعلى الجميع أن يشاركوا بإيجابية، وأن يدفعوا العربة إلى الأمام، وأن تنتقل السلطة سلمياً، وأن لا يسمح للمغامرين، الهابطين بالباراشوت، سرقة الجهد، وسرقة الدماء والدموع.

في التفاعلات الجارية، اكتشف الشعب المصري نوايا مخبوءة، عند بعض الأطراف الخارجية المعادية، سواء في التناول الإعلامي للأزمة، أو في التوجهات والأهداف.

ولكن الشعب المصري اكتشف أيضاً مدى أهمية مصر، والأمانة التي تحملها على أكتافها ليس فقط تجاه المصريين بل تجاه المنطقة بأسرها، وأن مصر مستهدفة بسبب قوة تأثيرها على محيطها، ولذلك رأينا وعياً خارقاً ومسؤولية عالية من الأغلبية الساحقة للمصريين تجاه وطنهم ودولتهم، فقد استشعروا في بضعة أيام أن ديكتاتورية الفوضى لا تستثني شيئاً على الإطلاق، وبالتالي فإن صمود القلعة المصرية هو أمر مقدس يفوق أية أولويات أخرى.

في مواجهة هذا الوعي الكبير، والمسؤولية الجادة، فإن وجوهاً كثيرة انكشفت، ونوايا خبيثة انفضحت، وأطرافاً عديدة ثبت أنها متورطة حتى النخاع، لا يهمها مصر ولا الشعب المصري وإنما يهمها فقط قيامها بالدور المطلوب منها لصالح الشيطان.

مصر كبيرة، ولا يمكن سرقتها بالسهولة التي تصورها البعض، وأنا اعتقد أن النازلين بالباراشوت الأميركي على ميدان التحرير، سوف لا يرى أحد وجوههم القبيحة مرة أخرى حين تستعيد مصر لحظة الهدوء، وحين تستعيد مصر مسيرتها نحو الإصلاح السلمي الدستوري الذي تحكمه قواعد المصلحة للأغلبية، وليس صراخ الطارئين