الموت بردًا كلمة لم تعد في قاموس الناس تشبيهًا لحالة لا تحدث، بل باتت حقيقة للأسف وسط استمرار حرب الإبادة وصمت العالم، ونحن نشهد موت الرضع من الأطفال بعد أن تجمدت أجسادهم، في خيام النزوح التي لا تقي من المطر، ولا تمنع البرد والصقيع في هذه الليالي الأشد برودة، وهم في العراء بلا مأوى يصلح للعيش، وبلا أغطية تدفئ الأجساد، وتحت نيران القصف المتواصل من كل الجهات.
موت الأطفال بردًا يجرح الضمير، ويوجع النفس، ويؤلم الروح، ويبعث فينا ألف سبب للخيبة، ومع استمرار حرب الإبادة ودخولنا العام الجديد، وقد سقطت أمنياتنا التي علقناها بوقف هذه المقتلة قبل بداية العام، إلا أن حكومة الاحتلال تصرّ على مواصلة عدوانها الآثم، كما تصرّ على المماطلة في التوصل لاتفاق يوقف هذه المقتلة، ويُخرج الناس في غزة من عذابات أيامهم، ومن عتمة الأقدار، لأن نتنياهو لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي، ولا يريد لها أن تتوقف، بل إنه وحكومته وجنوده يتلذذون على موت الناس وقتلهم، وعلى كل المشاهد المرعبة بالصوت والصورة التي تخرج من غزة.
بدأ عام جديد، وفي ليلة رأس السنة الميلادية بينما كان الناس في العالم يجمعون الأمنيات الخاصة والعامة، قرب مدفأة تبعث بالدفء، وبيت بسقف وجدران، وأطفال بأحلام واعدة، كان الناس في غزة يعيشون تلك الليلة كبقية الليالي في خيمة وسط البرد والمطر الشديد، وتحت القصف الذي تواصل ولم يتوقف ولو لساعة، وكان الجنود يحتفلون بموتنا ويقيمون احتفالاتهم على أجسادنا وأشلائنا من دباباتهم وطائراتهم، ويطربون على موت أطفالنا بردًا وقصفًا وجوعًا، ويتباهون بجرائمهم التي يرتكبوها عن قصد ومع سبق الإصرار والترصد والإمعان في فعلها، تلك الجرائم التي هي ضد الإنسانية، وضد كل الأعراف والقوانين والأديان.
أيام حرب الإبادة في غزة، لا تعرف نهاية عام ولا بداية عام آخر، لأن الناس في غزة يعدّون وقتهم بالثانية والدقيقة، وبعذابات أقدارهم وأيامهم، وبالجرح والوجع والألم، وبانتظار الوقت الذي تتوقف فيه هذه المقتلة، فيعلقون الآمال على صحو الضمير العالمي لفرض وقف لهذه الحرب، ورفع المعاناة على الناس الذين يعيشون واقعًا صعبًا ومستحيلا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها