رحب ممثلو قوى سياسية ومنظمات أهلية ومؤسسات حقوقية بالخطوة التي أقدم عليها الرئيس محمود عباس "أبو مازن" بالانضمام الرسمي إلى كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التابعة للأمم المتحدة، خاصة المتعلقة منها بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.

جاء ذلك خلال الجلسة الحوارية التي نظمتها شبكة المنظمات الأهلية في مطعم اللاتيرنا بمدينة غزة، لمناقشة "انضمام فلسطين إلى اتفاقيات جنيف الأربعة، وماذا سيحقق ذلك للفلسطينيين، والالتزامات المرتبطة بها، ودور المنظمات الأهلية في هذا الصدد، وما هي الخطوات المقبلة" وذلك ضمن مشروع تعزيز الديمقراطية وبناء قدرات المنظمات الأهلية بتمويل من المساعدات الشعبية النرويجية.

وشددوا على ضرورة التزام السلطة الفلسطينية بوعودها تجاه المواطن الفلسطيني، والانضمام لكافة المعاهدات الدولية وفي مقدمتها اتفاقية روما الأساسية الدولية "نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية من أجل ملاحقة ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين".

واستعرض رئيس الهيئة الإدارية للشبكة محسن أبو رمضان أهم المحاور الرئيسة التي تهدف الشبكة تسليط الضوء عليها، خاصة فيما يتعلق بالقضايا الحقوقية والقانونية المهمة لدى الشعب الفلسطيني بعد الاعتراف بدولة فلسطين كمراقب غير عضو في الأمم المتحدة، مما أهلها للانضمام إلى العديد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية.

وبيَّن أبو رمضان مدى الاستفادة من وراء التوقيع على معاهدات جنيف الأربع، وكيفيه استثمارها في الاتجاه السياسي والقانوني الذي يخوضه الشعب، وكيفية إعادة تغيير المسار الوطني باتجاه بالاشتباك مع الاحتلال وإنهاء كافة الانتهاكات وقيام الدولة الفلسطينية على ضمان حقوق الشعب الفلسطيني في الأمم المتحدة.

من جهته شدد مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان المحامي راجي الصوراني على أهمية دعوة الرئيس عباس للحقوقيين للاستفادة من آرائهم وخبراتهم القانونية، خاصة فيما يتعلق بالانضمام للاتفاقات والمعاهدات الدولية التابعة للأمم المتحدة، لاسيما وأن فلسطين هي دولة مراقب في الأمم المتحدة، وتتعرض لجرائم حرب وحملات إبادة جماعية، وعمليات اعتقال واستيلاء على الأراضي وتهويد للقدس، وهذا جميعه يحتاج إلى جهد جماعي فلسطيني، وإلى جهد دولي لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين في المحاكم الدولية.

واستعرض الصوراني ما جرى الحديث عنه من اتفاقيات منذ العام 67، خاصة حين اعترفت إسرائيل ولمدة 43 يوماً فقط باتفاقيات جنيف الأربعة التي تؤكد أنها دولة احتلال وأنها قوة احتلال حربي، ولكن فيما يبدو أنه وبعد هذا الاعتراف بهذه الاتفاقيات وتأكد المستوى السياسي الإسرائيلي مما يريد، أوقف العمل مباشرة بها، وألغت كلمة "دولة احتلال حربي"، وألغت ما كتب فيها أن غزة والضفة بمن فيهم القدس أراضي محتلة.

وأوضح أنه ومنذ ذلك الحين بُدأ باستخدام مصطلحين، الأول منهما يقول إن المناطق المحتلة هي مناطق مدارة، والثاني يقول إنها مناطق متنازع عليها، مشيراً إلى أن هذا التأصيل القانوني ليس من باب الغباء أو أنه موضوع كلمات ومفردات ولا ضحك على اللغة، ولكن هم أرادوا من هذا التأصيل أن يحللوا لأنفسهم سياسات تلت هذا الأمر مباشرة.

ولفت الصوراني إلى أن الشعب الفلسطيني في المقابل اعتبر منذ اللحظة الأولى هذه الأراضي أنها أراضي محتلة وناضل على هذا الأساس، وما إعلان دولة فلسطين عام 88 على أي أراضي يتم تحريرها في غزة والضفة بمن فيها القدس إلا دليل على أنها جميعها أراضي محتلة، مضيفاً أن أسوأ ما كان في توقيع اتفاق أوسلو أنه ترك الوضع القانوني للأراضي المحتلة في حالة ضبابية، ما جعل منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني تلعب دوراً في منتهي الأهمية والخطورة عندما أكدت أن الاحتلال سيبقي طوال المرحلة الانتقالية حتى 4 مايو 99 بشكله المادي والقانوني، وبالتالي من الضرورة يمكن تطبيق اتفاقيات جنيف على الأراضي الفلسطينية المحتلة واعتبار غزة والضفة والقدس مناطق محتلة.

وقال إنه وفي الذكرى العاشرة لصدور الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية، كان هناك أمر في منتهى الأهمية والخطورة، وهو صدور الرأي من قبل المحكمة الجنائية الدولية والذي تم فيه تقديم الرأي الاستشاري بشكل قانوني جيد، حيث صدر في حينه كأهم الوثائق القانونية.

وطالب بشكل محدد أن تكمل فلسطين ما بدأت به وهو الانضمام لميثاق روما، حيث لا يوجد لدينا أي تحفظ على ذلك، بل سيطلق لنا العنان لملاحقة الاحتلال، قائلاً "أنا لا أتحدث عن موضوع الاغتيالات والتعذيب، ولكن هناك ملفات أخرى كثيرة وكبرى، كملف الاستيطان والجدار، كما أن هناك ملفين يجب على إسرائيل أن تدفع الثمن غير العادي وغير الطبيعي فيهما، وهذا سيثير الرأي العام العالمي حين نعمل على الاشتباك قانونيا مع الاحتلال في معركة نضمن فيها على الصعيد القانوني النصر قبل أن نبدأ".

واكد ان مطالب منظمات حقوق الإنسان ومطالب منظمات المجتمع المدني هو التوقيع على اتفاقية روما الأساسي بالأمم المتحدة، وهذا سيفتح المعركة القانونية مع الاحتلال الإسرائيلي على أوسع مدي والذي سيؤمن ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

ولفت الصوراني إلى أن هذه المعركة القانونية ستتيح للمحاميين ممثلي الضحايا الذين ارتكبت بحقهم إسرائيل جرائم ضد الإنسانية المجال لرفع قضايا ليس كدول وإنما كأفراد ضد الاستيطان وضد جدار الضم والتوسع، مؤكداً أن هذا سيعطيهم حق الدفاع الأخلاقي والحقوقي والإمكانيات لفتح أبواب جهنم قانونياً ضد إسرائيل وإنهاء حالة الحصانة القانونية التي يتمتع بها مجرمو الحرب الإسرائيليين.

وطالب القيادة الفلسطينية برفض الضغوط الدولية والإسرائيلية والانضمام الفوري إلي كافة المواثيق الدولية المتعلقة بالدفاع عن حقوق الإنسان في وقت السلم والحرب وخاصة ميثاق روما وذلك لضمان تحقيق العدالة والانتصاف للضحايا الفلسطينيين، قائلاً "إن هذه المرحلة مرحلة صراع واشتباك قانوني".

من جانبه قال مدير مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان خليل أبو شماله، "إن الانضمام الفوري لكافة الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية روما سوف يحقق الانتصار للفلسطينيين، كما أنه سيمنحهم الفرصة لملاحقة مجرمي الحرب وتوثيق كل الانتهاكات المخالفة للقانون الدولي".

وأضاف أبو شماله أن منظمات حقوق الإنسان التي ما زالت تعمل على توثيق ورصد كافة الانتهاكات الموجهة ضد الشعب الفلسطيني، ستجد المجال مفتوحاً أمامها للتقدم للمنظمات الدولية وخاصة المحكمة الجنائية لرفع قضايا ضد منتهكي حقوق الإنسان الإسرائيليين، مشدداً على أن المؤسسات الحقوقية ستعمل بشكل مستمر على ملاحقة هؤلاء المجرمين من أجل الدفاع عن حقوق الإنسان لاسيما ضحايا الحرب الأولى عام 2008- 2009، والثانية عام 2012.

وشدد على ضرورة التنسيق ما بين مكتب الرئاسة والمنظمات الحقوقية الفلسطينية، لتشاور فيما بينهم حول كافة الخطوات التي ستقدم عليها السلطة والقيادة الفلسطينية مثل التوقيع على الاتفاقات والمعاهدات الدولية التابعة للأمم المتحدة.

بدوره أكد مدير الوحدة القانونية بمركز الميزان لحقوق الإنسان عدنان الحجار، على أن التنسيق ما بين المنظمات الأهلية وخاصة الحقوقية منها، وما بين السلطة الفلسطينية هي ضرورة ملحة للاستفادة منها ومن تجاربها في هذا المجال لما لها من أهمية في رصد وتوثيق وإعداد الملفات المتعلقة بجرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.

وقال الحجار إن هذا يتطلب دفعة قوية للمنظمات الأهلية للتواصل والاستمرار في المطالبة بحقوق المواطنين، كما أن انضمام فلسطين إلى كافة الاتفاقيات سوف يسهم في تمكين الفلسطينيين من محاكمة إسرائيل على جرائمها، وبالتالي يمكن تحقيق ما يهدف إليه الشعب الفلسطيني.

وفي الوقت الذي أشار فيه إلى أن المؤسسات الأهلية والحقوقية هي جزء أصيل من مكونات المجتمع المدني الفلسطيني يجب التشاور معها لما لها من خبرات متراكمة في هذا المجال، شدد على ضرورة الاستمرار في ملاحقة ومحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيلية، وعلى ضرورة انضمام فلسطين للاتفاقيات الدولية.