أينما ولّينا وجهونا فلسطينيا، نحو انجازات على صعيدالمنظمات الدولية مثل اليونسكو أو مجلس حقوق الانسان أو محكمة العدل في لاهاي أو الأممالمتحدة ومجلس الأمن!!! وأينما طلبنا الدعم والعون والتضامن من أشقائنا العرب والمسلمينأو من شعوب الأرض قاطبة لقضيتنا العادلة ووجدنا التجاوب بدرجة أو بأخرى!

و في كل خطوة نخطوها في هذه الأيام الصعبة الى الامام،يقف أمامنا سد أسود يقطع علينا الطريق ويعيدنا عشر خطوات إلى الخلف، إلى نقطة الصفر،إنه الانقسام، الذي نعرف جميعا أنه على مستوى الفكرة والتخطيط والاستغلال صناعة إسرائيلية100 %، بينما هذا الانقسام الأسود اللعين على مستوى التنفيذ هو بأيدينا، جريمة فلسطينيةبحق الذات الوطنية، شوكة سامة وقاتلة في الحلق الفلسطيني، وجرح غائر يستعصي شفاؤه فيالضمير الفلسطيني.

في الرابع من مايو أيار الماضي، ومع صعود هذا الاعصارالعربي الذي يسمى أحيانا بالربيع، ويسمى في أحيان أخرى بالمؤامرة، وهو في حقيقته ومهماتكن القوى المشاركة فيه هو تغيير دراماتيكي شامل مستحق! في الرابع من مايو أيار الماضي،ومن خلال قرارات فلسطينية شجاعة، ونصائح مخلصة من بعض الأشقاء، وفي محاولة للخروج منالنفق المظلم، نفق ذبح الذات الفلسطينية، نفق الانقسام الأسود، جرى التوقيع على اتفاقالمصالحة برعاية مصرية، وانطلقت مع هذا التوقيع مرحلة جديدة، مرحلة التوافق الوطنيالواعي، التوافق الحريص الناضج سياسيا، وفحوى هذا التوافق، أننا في الطريق إلى إنجازالمصالحة، قد تعترضنا عراقيل كثيرة، مثل التهديدات الهستيرية الإسرائيلية، أو الشكوكالدولية، أو التفاصيل التي هي بيت الشيطان!!! فماذا نفعل؟

وتوكلنا على الله واتفقنا أننا مهما كانت الصعوبات والعراقيليجب ألا نعود إلى نقطة الصفر، ويجب ألا نعود إلى حالة التدهور في علاقاتنا الوطنية!

ولشهور طويلة، جرت لقاءات أخرى، وحوارات ثمينة، وجاءاتفاق الدوحة لتشكيل الحكومة، وقلنا ها هي عقبة رئيسية تزاح عن الطريق!!! ولكن المفاجأةالكبرى الصادمة كانت حين اكتشفنا أن الانقسام أقوى مما نظن!!! الانقسام مثل السرطانفي مراحله المتأخرة، انتشر في الجسم، وأصبح له ديناميات خاصة به، شبكة أشخاص وأجنحةومصالح ومكاسب أنانية وأوهام أيضا!

وسرعان ما حدث الانفجار الذي أدى إلى تداعيات انفجاريةأخرى، أعداء الانجاز الوطني، أعداء الاتفاق، أعداء المصالحة، حزب الانقسام أعلن عننفسه بكل صراحة، وأعلن أنه يمكن أن يحرق الأخضر واليابس دفاعا عن الانقسام الذي تحولفي خمس سنوات إلى مصالح وتجنحات وارتباطات ورؤى ترتكز إلى جاذبية الوهم، وإغراء الانشقاق،وسحر الخيانة.

عالقون في الوحل، غارزون في الوحل، نحاول، نبذل جهدا،نفتح نوافذ الأمل، ثم نكتشف أن هذا الحراك في بحيرة الوحل يزيدنا غرقا واقترابا منالموت والاختناق.

تحت سقف هذا الانقسام :

نتحول إلى شعب غريب الأطوار، وكأننا شعب بلا قضية عادلة،بلا تاريخ نضالي مجيد، بلا ابداعات لفتت أنظار الدنيا إلينا، حتى أن كوفيتنا الفلسطينيةأصبحت رمزا انسانيا وتراثا انسانيا.

أين ذهب كل ذلك؟؟؟

احترق في السجالات الهابطة المهينة، في السلوكات السياسيةالتي لا ترحم، في اعتبار أن شعبنا مجرد أداة أو رهينة وليس صاحب القضية!!! بل إن محاولاتتفجير التوافق الوطني التي جرت في الأيام الأخيرة لم يبذل القائمون بها أدنى جهد لتكونمقنعة، ليس لها سوى معنى واحد، لا للمصالحة وألف نعم للانقسام، وإن كان الطريق المؤديإلى ذلك هو الاتهامات، فلتكن، والتهديدات فلتكن، وإن تكن الأداة المستخدمة هي الكهرباءفلتكن العتمة، وما أحلاها، ولتتوقف الحركة لشح الوقود، فلماذا الحركة؟؟؟ ومن لا يعجبهفليرحل أو يشنق نفسه أو يقذف بنفسه في البحر.

اللعنة على هذا الاحتلال الإسرائيلي، كيف خطط ليكونهذا الانقسام بشعا وقاتلا إلى هذا الحد!!!

حتى التوافق الوطني الذي أقسمنا أن يكون قاعدة الانطلاقللمصالحة، وقاعدة الحوار الوطني البناء والإيجابي، حتى هذا التوافق وضعت تحته الألغاموتحول إلى شظايا، وأصبح المتنافسون يتبارزون في أيهم أعلى صوتا، وأكثر صخبا في تمزيقهذا التوافق الوطني.

هذا هو وضعنا الفلسطيني الآن :

كل ما نحصل عليه من مكاسب سياسية أو معنوية يحطمه الانقسام،وكل ما نسجله من حضور لقضيتنا هنا أو هناك يحطمه الانقسام، هذا الانقسام وصل إلى النخاعالشوكي، وإلى الأعصاب الدقيقة، إلى تفاصيل تفاصيل حياتنا واحتياجاتنا اليومية، وهذاالجسد الفلسطيني يصطرع داخله، يضعف بعضه بعضا مثل دمل داخلي يحتقن بالقيح والصديد والكراهيةوالألم، هذا هو الانقسام.

هذا الانقسام الذي يدمرنا، ورغم أنه صناعة إسرائيلية100%، ولكنه في التنفيذ هو انقسام فلسطيني 100 %، وبما أنه اصطراع داخلي وليس خارجيا،فإنه لا يستثير غريزة الدفاع عن الذات، بل يوغل في التفتيت والمصادرة والتقيح الداخلي،بحيث نبدو في كل يوم تحت سقف هذا الانقسام في صورة غير التي نعرفها عن أنفسنا، إن هذاالانقسام يسخطنا بالتدريج، بآلياته، ودينامياته، وتداعياته الصغيرة التي تتخلل حياتنافتحولنا إلى كائنات غير مفهومة وغير مبررة؟؟؟ كيف نبرر أننا تحت نير الاحتلال، تحترصاص الاحتلال، تحت الحزام الأمني للاحتلال، تحت الملاحقة بالموت للمطلوبين منا للاحتلال،تحت سقف الحجز الإداري، والسجن الانفرادي، وقنص الصيادين، والتسلية بقتل الأطفال الذينيلعبون أمام بيوتهم، وأرضنا تسرق منا علانية، وأسماؤنا تستبدل بأسماء أخرى، فكيف نبررأننا رغم كل ذلك ننقسم، وننشطر، ونصطرع، وننهش بأسناننا المجنونة رقاب بعضنا؟؟؟

لا يمكن التبرير، لا قدرة على التبرير، وكل محاولة تبريرهي ساقطة ومدانة، ولا مصداقية لها، ولذلك يبدو المشهد غريبا، وشاذا، وينذر بكارثة.

لا بد من محاولة، لا أعرف كيف، ولكن لا بد من محاولة،لنبحث عن محاولة لم تحدث من قبل، أولم نصنع انتفاضة الأطفال والحجارة؟؟؟ فتعالوا نفعلشيئا لم يكن من قبل، المهم أن نخرج من هذا النفق المظلم، وهذا العار الآثم، وهذا السرطانالقاتل الذي اسمه الانقسام.