ما زلت أصر على أن "حماس" بريئة من دم إخوتنا المصريين، باعتبارها حركة فلسطينية لا ينضوي تحت رايتها سوى شبان فلسطينيين، ويقودها فلسطينيون، لكل واحد منهم علاقته الوجدانية الخاصة بالمجتمع المصري، فضلاً عن أواصر النسب والمصاهرة مع مصريين. فلمصر في قلب كل فلسطيني مهابتها وحصانتها. ونضع هذه الحقيقة، بصرف النظر عن رؤيتنا لـ "حماس" في مسائل أخرى، ورؤية من يميلون من بيننا لاتهامها، وهم ممن يرونها ذئباً.
في ذروة أيام "كامب ديفيد" التي كسرت ظهرورنا عندما كسرت معادلة الصراع، وكان المعنيون وقتها بالمساس بوضع مصر الداخلي أقوياء، تناسوا تناقضاتهم وركزوا على حكم "السادات" وكانوا أصحاب مصلحة في زعزعته؛ لم يعثروا على العنصر الفلسطيني الذي يفجر قنبلة تصيب أياً من إخوته المصريين، سواء كانوا جنوداً أو عابري سبيل. فمن الصعوبة بمكان، أن يقتنع فلسطيني منتم لحركة سياسية ونضالية، بسفك دم أخ مصري، لأن في هذا الفعل الشائن، انحطاطا دينيا ووطنيا وقوميا. أما إن كان هناك أفراد، اجتذبتهم السلفية الجهادية في مصر، فإن لهذا تعليلا آخر، لا علاقة له بوجدان شعب، مثلما لا علاقة لمن يمارسون تفجيرات إرهابية في مصر، وهم أشخاص مصريون، بوجدان شعبهم. ثم إن حكاية التطرف والتأخون، كلها اختراعات نشأت ونمت وترعرعت في البيئة المصرية، وقام عليها مصريون، وهنا لا علاقة لأمرهم بوجدان شعبهم!
في هامش هذه القناعة، لا ننكر أن هناك طرفين إعلاميين، يغذيان سوء الفهم هذا ويعكران المياه الصافية، إذ يفتحان المجال لأن يشيطن واحدهما الآخر، لتنطلي الخديعة على البسطاء من الشعبين المصري والفلسطيني. إعلام "حماس" معطوفاً على إعلام "الإخوان" يهاجم القائمين على الأمر في مصر، وينحاز لطرف، بينما الطرف له مشكلة تتداعى في البلاد، ولأن الدم يسيل وبالتالي فإن الأمور تتعقد والمسألة تتحول الى معركة مصيرية بالنسبة للدولة في مصر. وإعلام مصر الخاص وشبه الرسمي يروي الحكايات عن الهجوم الحمساوي تلو الهجوم، وعن المتفجرة تلو الأخرى، مستهدفاً الجيش وأجهزة الأمن، وهذا يجافي الحقيقة. وأعرف شاباً كان عائدا من غزة لدراسته مع زميل له، فوجئ بعد عودته، بجريدة "الوطن" المصرية الخاصة، تنشر أنه ضُبط ومعه صواريخ حمساوية وأنه اعترف وأحيل للنيابة. كانت قوات الأمن المصرية قد استوقفته اثناء مروره بسيناء لعدة ساعات. اتصل الشاب بجريدة "الوطن" وقال للمحرر المسؤول، هأنذا بين يديك، إن كنت فعلاً حملت صاروخاً، فلك أن تسلمني لأجهزة الأمن، لكنني الآن في شقة السكن أطالع برنامج دراستي ولست مفخخاً ولا متقنبلاً ولا معروضاً على النيابة، وإن كنت مقتنعاً بأن لا علاقة لي بمثل هذه المسائل، فأرجو منك مجرد التصحيح دون الاعتذار. هنا، تذرع المحرر المسؤول بالقوات المسلحة، وقال إنني لا أستطيع نفي بيان لها. وفي الواقع لم يكن ثمة بيان للقوات المسلحة في شأن الشاب ومن كان معه. وعندما دقق محسوبكم في الموضوع، بحسه الإعلامي، التقط أصل العلة، وهو أن بعض مراسلي الصحف ووسائل الإعلام، شبان من أهل سيناء، سألت عنهم في بيئتهم الاجتماعية، فإذا هم سليلو عائلات "صديقة" لكوهين أيام احتلال سيناء. وهؤلاء معنيون بجعل الشعب الفلسطيني شيطاناً رجيماً، ويعرفون، مثلما يعرف معلموهم الكبار، أن الحكاية تكون متعلقة بـ "حماس" حصراً، لكنها في تأثيرها الإعلامي وفي محمولات رسالتها، تؤدي الغرض الذي يريدون، وهو أن الشعب الفلسطيني عدو للشعب المصري. ولا أريد هنا، أن أقدم مثالاً آخر، لكنني أتمنى على إخوتنا القائمين على الأمر في مصر، أن لا يأخذوا بهذه الدسائس، وأن لا تختلط عليهم الأوراق. فالفلسطينيون، بمن فيهم منتسبو "حماس" عميقو الوفاء لمصر الدولة والمجتمع والشارع والثقافة والتاريخ!
أما موضوع الإعلام الحمساوي المناوئ لثورة 30/6/2013 وللتغيير في 3/7/2013 فإنه يمثل بالنسبة للشق الفلسطيني من المعادلة سبباً لتسهيل الاتهام الجزافي، وهنا يكمن خطأ "حماس" الذي لا يبرره الارتباط الشرطي بين الحركة و"الجماعة" في المنطقة. فمن خلال نظرة سريعة على أوضاع ومواقف الحلقات الأخرى من "الإخوان" في المنطقة؛ سنلاحظ أنها كلها تمارس ترفاً للحفاظ على صدقيتها أمام قواعدها ومحازبيها، فتهادم الحكم الراهن في مصر، لكنها ليست مسؤولة عن شيء في بلدانها. أما "حماس" فهي تتحمل المسؤولية عن منفذ وحيد للمجتمع الفلسطيني في غزة في ظروف إنسانية عسيرة، وهي في العموم، جزء من المشهد الفلسطيني قاطبةً، إن لم يكن بالمسؤولية المباشرة، فإنه بمعايير واحتمالات التأويل الذي يفاقم محنة الشعب الفلسطيني في الإقليم العربي القاعدة وهو مصر. حتى "إخوان" سوريا، لأنهم لا يريدون أن يخسروا موقف الدولة المصرية الإيجابي من حقوق شعبهم، امتنعوا عن الكلام. فليس ثمة حسبة عقلانية يمكن أن تؤسس "حماس" عليها موقفها الإعلامي!
خطأ الدولة المصرية، الذي لا تبرره تأثيرات الإعلام السلبية على الرأي العام في مصر؛ أنها بالقول وبالممارسة، لم تعلن موقفاً يضع الأمور في نصابها. فالمعبر ما زال مغلقاً، وهذا عنوان الموقف. والدولة تعرف أن "حماس" لا تهاجمها في أمنها، ولا تستطيع أن تزعزع استقرارها، فضلاً عن كونها لا ترغب في دخول هكذا مقامرة!