في ظل الائتلاف الحكومي الاسرائيلي, الذي يقف على رأسه نتنياهو, فان اسرائيل ليست بحاجة الى من يكشف وجهها القبيح, أو يعرض وقائع شذوذ احتلالها لشعب عريق مناضل, أو يبين سقوط خرافاتها التي قامت عليها وها هي الخرافات والأساطير تنهار مثل قصور الاوهام أو قصور الرمال ولا يبقى سوى العربدة المجنونة ولصوص الاستيطان غير الشرعي وتكرار الكذبة التاريخية بان اسرائيل تستطيع ان تعيش ضد التاريخ, وضد الجغرافيا, وضد القانون الدولي والانساني, وضد مصالح الجميع.
قبل ايام سقطت اسرائيل في اختبار جديد, حين تحدث رئيس البرلمان الاوروبي في الكنيست الاسرائيلي, لم يكن الحديث مفاجئا, ولم يكن رجما في الغيب, بل كان حديثا تدعمه كل التقارير الدولية عن الانتهاكات التي تقوم بها اسرائيل يوميا ضد الشعب الفلسطيني في مدنه وقراه وفي حقوله ومصانعه وفي الطرق التي يسلكها التلاميذ الصغار وهم ذاهبون الى مدارسهم, فيتخطفهم الرصاص وقطعان المستوطنين الذين يعدمون الاشجار الخضراء, ويهددون الفلسطينيين بدفع الثمن لأنهم يجيدون فن البقاء صامدين في وطنهم ودولتهم التي اقرتها لهم كل قرارات الشرعية الدولية.
ويتشنج عدد كبير من اعضاء الكنيست من حديث الضيف الاوروبي, وانتفض وزير الاقتصاد الاسرائيلي, وكان المشهد صارخا بلا رتوش, فهذه هي القيادة الاسرائلية التي لا تطيق كلمة ولا تحتمل اي جرعة من الحقيقة, تريد ان تظل هي وحدها القاضي والجلاد, المجرم والشاهد الوحيد, ولكن هذا الحادث الدبلوماسي الكبير الذي استلزم من اسرائيل اعتذارات حارة, ووساطات كثيرة, وتفسيرات متعددة في بروكسل, لم يكن سوى حادث واحد من مسلسل طويل.
الحكومة الاسرائيلية الآن بقيادة نتنياهو, تركب موجة عالية جدا من التطرف والعنف والعربدة والاستفزاز, يغذيها الوضع العربي فتندفع اكثر وتتنافس قيادتها دون تعقل الى حد المزايدة على بعضها, وتستحضر ذاكرتها الاولى في مرحلة العصابات قبل الدولة, وهذه القيادة الاسرائيلية الحالية مصابة بالذعر من فكرة السلام ومن فكرة الدولة الفلسطينية, فتطرح خيارات تعجيزية ولا يكاد يظهر اي ضوء في نهاية هذا النفق المسكون باشباح العدوان والحقد والجنون .
ماذا نفعل نحن الذين في قلب الاشتباك وفي مواجهة الموجة العاتية وامام انفلات العربدة الاسرائيلية؟ يجب ان نكسر هذه الموجة, وان نكون جاهزين سياسيا لامتلاك البدائل, والسيطرة عللى لحظة الاختناق, وامتلاك القدرة على تعزيز علاقتنا الناجحة مع العالم لطرح الخيارات الافضل, وعدم الارتداد الى الخلف بتسعير خلافاتنا الداخلية المعتادة, فمن الطبيعي ان يكون بيننا خلافات داخلية سواء في فتح او في المنظومة الوطنية كلها, ولكن من الخطيئة الان ان تكون هذه الخلافات المعتادة هي اول الاولويات.
يجب ان نكسر هذه الموجة العاتية من التطرف والعدوان والعنصرية التي تركبها القيادة الاسرائيلية, ولدينا نجاحات كبيرة بصوابية مواقفنا التي يتبناها العالم, ويجب ان نستمر في نفس الاتجاه, وعدم الانزلاق الى الشقوق والزواريب الداخلية التي تبعدنا او تؤخرنا عن عبقرية الهدف.