قال رئيس الوزراء وزير الخارجية محمد مصطفى: إنه مضى عام على تعنت الحكومة الإسرائيلية، والازدواجية اللاإنسانية للمعايير في مجلس الأمن "التي تركت أطفالنا ونساءنا وشيوخنا ورجالنا وأطبائنا وصحفيينا ومعلمينا وطواقمنا، دون حماية أو عون وكأنهم ليسوا من البشر".

وأضاف رئيس الوزراء خلال كلمته في اجتماع مجلس الأمن الدولي، مساء اليوم الجمعة، حول الوضع في الشرق الأوسط بما فيه القضية الفلسطينية، بطلب من الجزائر: "أتينا إلى الأمم المتحدة ولمسنا التضامن الكبير مع شعبنا وقضيته العادلة، ولكننا نغادرها والمجازر الإسرائيلية لم تتوقف، ومجلس الأمن لم يلجم حتى الآن العدوان الإسرائيلي".

وتساءل مصطفى عما إذا كان مجلس الأمن سيراوح في موقفه التقليدي الذي ينتهي بالتنديد والمطالبة، متوقعا من إسرائيل الامتثال، مضيفا: "متى ستُفعـّلون أدواتكم هنا في مجلس الأمن التي تجبر إسرائيل على الامتثال، لصون وحفظ الأمن والسلم الدوليين؟ إلى متى سيكون الفصل السابع محرما على إسرائيل؟ أتنتظرون كارثة أكبر من ذلك؟ أتنتظرون حربا أوسع من ذلك؟ أم أنكم تنتظرون مدنيين أكثر جدارة بالحياة؟".

وأشار رئيس الوزراء إلى أن ما يمكن استخلاصه فيما يخص القضية الفلسطينية خلال هذا الأسبوع في الأمم المتحدة، هو أن قادة العالم من مختلف بقاع الأرض وعلى اختلاف عقائدهم السياسية، "يرون أنه من اللامنطقي، بل من الجنون أن نستمر على نفس النهج الذي اعتدنا عليه في الماضي لمواجهة التحديات المهولة التي نقف أمامها اليوم، والتي تمنعنا من تحقيق السلام العادل والشامل والدائم".

ودعا مصطفى إلى صياغة خطة دولية تتضمن إجراءات ضرورية لتغيير الواقع على الأرض، والاعتراف بدولة فلسطين ودعم عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة، وتطبيق الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وقرار الجمعية العامة الذي يدعمه ويطالب بأن تنهي إسرائيل وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة خلال 12 شهرا.

كما دعا مصطفى الجميع إلى "الانضمام إلى التحالف الدولي الذي أُعلِن أمس الخميس لإنهاء الاحتلال، وتحقيق استقلال دولة فلسطين"، فضلا عن دعم الخطة الوطنية لبناء فلسطين.

نص كلمة رئيس الوزراء:

يشرفني أن أبدأ خطابي كما بدأ رئيس دولة فلسطين محمود عباس خطابه أمام الجمعية العامة.

بأننا لن نرحل… لن نرحل…. لن نرحل، نقولها بصوت واحد وكشعب فلسطيني واحد.

السيد الرئيس

اسمح لي في البداية أن أتقدم منكم ولوفد سلوفينيا، بصفتكم رئيس مجلس الأمن لهذا الشهر، بوافر الشكر والتقدير على عقد هذا الاجتماع الوزاري الهام حول القضية الفلسطينية. وأود ان اغتنم هذه الفرصة لأتقدم لكم بالتهنئة على حسن قيادتكم لمجلس الأمن خلال فترة توليكم الرئاسة، خاصة في هذا الوقت الدقيق.

لقد شهدنا من سلوفينيا مواقف مشرفة في الوقوف إلى جانب القانون الدولي والحقوق التي يكفلها هذا القانون، ولكم منا كل الاحترام والثناء.

كما أود أيضا أن أتقدم بالشكر والتقدير للأمين العام للأمم المتحدة على قيادته الحكيمة لمنظمتنا التي تتعرض لهجوم وحملات تشهير غير مسبوقة على يد إسرائيل.

ونجدد امتنانا لكم على شجاعتكم وحرصكم على الحفاظ على مصداقية هذه المنظمة وفاعلية عملها، والاستمرار في تقديم العون والإغاثة، وحشد الدعم لرفع المعاناة عن شعبنا الفلسطيني، رغم تكلفكم عناء هذه المهمة والمسؤولية. ورغم فقدانكم لزملائكم في قطاع غزة الذين هم اخوتنا واخواتنا. ورغم استهداف اسرائيل للأمم المتحدة ومقارها وأماكن الايواء، وموظفيها، خاصة وكالة الأونروا. لكم منا كل التحية والاحترام والدعم.

السيد الرئيس، أصحاب السمو والمعالي والسعادة،

لقد مضى عام كامل على العدوان الاسرائيلي على شعبنا في قطاع غزة المحاصر والمدمر.

 360 يوما وليلة، من الرعب...  والقتل... والنزوح والدمار.. والمرض والألم، .... والجوع والقهر، اليأس والحزن، والحاجة والحرمان وفوق هذا التجريد من الإنسانية والكرامة.

لقد مضى عام على تعنت الحكومة الاسرائيلية، ولقد مضى عام أيضا على الازدواجية اللاإنسانية للمعايير في هذا المجلس، والتي تركت أطفالنا ونساءنا وشيوخنا ورجالنا وأطبائنا وصحافيينا ومعلمينا وطواقمنا، دون حماية أو عون وكأنهم ليسوا من البشر.

لقد أتينا إلى الأمم المتحدة ولمسنا التضامن الكبير مع شعبنا وقضيته العادلة، ولكننا نغادرها والمجازر الإسرائيلية لم تتوقف.

ومجلس الأمن لم يَلجُم حتى الآن العدوان الاسرائيلي، ولم يقر الإجراءات التي من شأنها كبح جماح الحكومة الإسرائيلية التي ترى في الحرب والعدوان استراتيجية سياسية للبقاء في الحكم. فبعد أن دمرت غزة بالكامل، واجتاحت مدن الضفة الغربية ونكلت في شعبنا الفلسطيني الأعزل، نراها اليوم تفتح نيرانها على الشعب اللبناني الشقيق وتستبيح سيادة لبنان، في خرق صارخ لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية، تتصرف كدولة خارجة عن القانون لأنها مقتنعة أنها دولة فوق القانون يحق لها مالا يحق لغيرها.

وكيف لا تكرر إسرائيل المشهد العدواني في لبنان طالما أنها لم تعاقب على جرائمها في فلسطين، ولم يفرض عليها الانصياع للمطالب بوقف إطلاق النار في غزة، ووقف سياسة العدوان، وردع إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية، بما فيها القدس.

إن إسرائيل مستمرة في مخططها العدواني حتى تجر المنطقة برمتها نحو حرب مفتوحة. هل سيستمر مجلس الأمن في موقفه التقليدي الذي ينتهي بالتنديد والمطالبة، متوقعا من إسرائيل الامتثال؟

متى ستُفعّلون أدواتكم هنا في مجلس الأمن التي تجبر إسرائيل على الامتثال، لصون وحفظ الأمن والسلم الدوليين؟ إلى متى سيكون الفصل السابع محرما على إسرائيل؟ ل تنتظرون كارثة أكبر من ذلك؟ هل تنتظرون حربا أوسع من ذلك؟

نحن ندين استهداف المدنيين كافة وعلى السواء، مهما كان عرقهم أو جنسيتهم أو دينهم، فلا يوجد مبرر يسمح أو يعطي ترخيصا لاستهداف المدنيين وإيقاع الأذى بهم.

لعل ما يمكن استخلاصه فيما يخص القضية الفلسطينية خلال هذا الأسبوع في الأمم المتحدة، هو أن قادة العالم من مختلف بقاع الأرض، يرون أنه من اللامنطقي بل من الجنون أن نستمر على نفس النهج الذي اعتدنا عليه في الماضي لمواجهة التحديات المهولة التي نقف أمامها اليوم، والتي تمنعنا من تحقيق السلام العادل والشامل والدائم. ما يعني أيضا أنه من غير الممكن الاكتفاء فقط بالتعبير والانضمام إلى الموقف الدولي الثابت بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، ثم ترك الأمر إلى أن يأتي الوقت الذي تصبح فيه الأطراف جاهزة للتفاوض من أجل التوصل إلى حل عادل وسلمي وشامل.

فلا يمكن الآن تجاهل حقيقة أن هناك طرف لا يريد التفاوض ولكنه من يملك الوقت كله، ويفرض الحقائق غير الشرعية على الأرض وفق أجندته السياسية الداخلية والاستعمارية المنافية للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

وهناك طرف يسابق الزمن، يفقد في كل يوم ما هو أغلى وأثمن، وما لا يمكن تعويضه واستعادته.

كما لا يمكن بعد اليوم التصديق بأن إدارة الصراع بدلا من إنهائه هي استراتيجية مجدية تصل بنا إلى الأمن والاستقرار. 

إن المواقف الدولية الثابتة بشأن التسوية السلمية للقضية الفلسطينية هي مواقف ضرورية وهامة جدا، وقد سعينا معكم بشكل جماعي للتوصل إليها على مر العقود، لتصبح مرجعيات دولية متفق عليها، وتستند الى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية.

ولكننا، نقف أمام تحديات عظيمة ومنعطف تاريخي، لم تعد هذه المواقف وحدها كافية، وأصبح من الملح ان تتكاثف الجهود لاتخاذ اجراءات عملية تجعل من إنهاء الاحتلال وتنفيذ حل الدولتين على حدود العام 1967، حقيقة وتُمارس على ارض الواقع، لا يمكن إبطالها أو التراجع عنها، ولا يمكن الإبقاء عليها كمجرد رؤية سياسية او أمنية دولية.

مع ظهور جيل فلسطيني جديد تتعمد إسرائيل، سلطة الاحتلال غير الشرعي تدمير فلسطين، ثم نعيد بناءها، ثم تدمرها مرة أخرى ونعيد بناءها مرة أخرى ثم تدمر مرة أخرى.

لقد مررنا بمحنٍ ومآسٍ شتى، ونهض شعبنا بعد كل محنة، ململما جراحه، حاملا ألمه وحافظا أمله، مصمما على الحياة، مستحقا لدعمكم وتضامنكم ومؤازرتكم ومساندتكم التي تقدموها.

في كل مرة، آلة البناء والتطوير الفلسطينية تقابل بآلة التدمير والهدم الإسرائيلية. نحن وأنتم نبني وإسرائيل تدمر. نبني المدرسة والإنسان وإسرائيل تهدم المدرسة وتعدم الإنسان. 

نريد إعادة بناء فلسطين، بشكل يضمن ألّا تتعرض للتدمير مرة أخرى، ولا يُجبرُ شعبنا على النزوح قسرا مرة أخرى، وألّا يقف على أبوابكم مكلوما مرة أخرى.

نريد أن نعيد بناء فلسطين ونحن على يقين بأن الطريق الذي ينتظرها هو الطريق الذي يأخذها نحو الأمام، نحو الازدهار، يعيش شعبها فيها بكرامة، كدولة ذات سيادة بين الدول وكأمة حرة بين الأمم.

نريد الانعتاق من الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وفق فتوى محكمة العدل الدولية دون أي تأخير. نريد دولتنا المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، حرة ذات سيادة. نريد لشعبنا أن يعيش على أرضه، ينعم فيها بالحرية والكرامة، كما يكفل له حقه المشروع في تقرير المصير، دون أي تأجيل.

فنحن لدينا كل المكونات اللازمة، لدينا التاريخ والإرث والحضارة، لدينا التجربة والخبرة والكفاءة ولدينا القدرة والإرادة، والأهم من ذلك كله، لدينا الإنسان، الإنسان الفلسطيني المثابر والقادر، هو ذخيرتنا وموردنا البشري الذي لا ينضب.