لا تزال يوميات الحرب الإسرائيلية على حالها، القصف والتدمير باتا كمثل أعمال روتينية لها، وما من يوم يمر منذ أكثر من أحد عشر شهرًا إلا وهناك المزيد من الضحايا، شهداء، وجرحى، من جنوب فلسطين، حتى شمالها، وفي السياسة ليس لدى الحكومة الإسرائيلية، سوى خطاب الحرب ذاته، خطاب الإبادة للقضية الفلسطينية، ومشروعها التحرري، مع التهديد المتواصل بتدمير السلطة الوطنية، وفي المقابل نرى "حماس" كأن كل هذا الأمر لا يعنيها، وتظل ساكنة في مربعها ذاته، الذي لم يعد سوى نفق تبحث فيه عن مخرج آمن لسكانه.

هذه هي الحقيقة اليوم، إسرائيل في طريقها الحربية، وحماس في سكونها النفقي، ولا نافذة لديها تطل منها على الشأن الوطني، ولا حتى على الشأن الإنساني، لترى أي حال صار عليه الأهل في القطاع، الذي بات ذبيحا إلى حد الفاجعة.

والحقيقة لا شيء يفسر موقف حركة "حماس" في هذه الأيام، كأنها لم تعد تعرف ماذا عليها أن تفعل، وليس أمامها غير العودة للتفاوض، لكن هذه العودة تعرف "حماس" أنها ستكون عودة مكلفة أكثر هذه المرة، على نحو ما يجعلها تقدم مزيدًا من "التسهيلات" شرط الخروج من جائحة الحرب ليس إلا غير أنه وفي الوقت ذاته، وباستغراب مثير، ما زالت "حماس" تراهن كما يبدو، على لهجة ناطقها العسكري الساخنة، لعلها ترمم لها شيئًا من واقع خطابها التعبوي الذي ضعضعت أحواله وأحوالها الحرب، ومن يرى غير ذلك، عليه أن يثبت العكس.

لن تكون اللهجة الساخنة لناطق "حماس" العسكري ممكنة في هذا الإطار، فهذه اللهجة، حتى وهي تتغنى بأعمال "مقاومة" فردية هنا وهناك، إنما هي تعبير عن عمق الأزمة التي باتت عليها "حماس" التي لم تعد تدرك كم هي أزمة طاحنة، ليس لها فحسب، وإنما كذلك للمنطقة العربية بأسرها، وهي تتوعدها بالعنف والفوضى، إذا ما واصلت إسرائيل تغذيتها بإدامة الحرب، الرامية لتحقيق أهدافها التوراتية التي تتجاوز فلسطين إلى مجمل محيطها، وربما إلى محيط محيطها، ولإسرائيل في الواقع أن تصفق في هذا السياق، للهجة الناطق العسكري الحمساوي الساخنة، إنها اللهجة التي تغذي ذرائعها، وتسمح لها بإدامة الحرب.

وفي المحصلة، لا بد من وقفة تحاكم كل هذه المكابرة العبثية التي تواصلها "حماس" قبل أن تأتي هذه المكابرة الإنشائية على الأخضر واليابس في هذه المنطقة العربية، إسرائيل لا تريد فلسطين، بأي جغرافية كانت، ولا الفلسطينيين بأي هوية كانوا، أو باتوا. هل تدرك حماس ذلك وتكف عن المكابرة والنكران، ويكف ناطقها العسكري عن التحليق في فضاء البيان ويهبط على الارض، فلا يرى مسدسًا بإحدى عشرة رصاصة، أجدى وأقوى من جيوش العرب ودولهم.