منذ سنوات قليلة أخذ الرأي العام الأميركي والأوروبي بالانزياح التدريجي لصالح دعم القضية والشعب الفلسطيني وحقوقه السياسية مع افتضاح السياسات العنصرية والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، ومع ارتفاع وتواتر عمليات التهويد والمصادرة والاستيطان الاستعماري في الأراضي الفلسطينية وفق خطط منهجية لتعميق وتوسيع التطهير العرقي ضد أبناء الشعب في محافظات الضفة عمومًا والعاصمة الفلسطينية القدس الشرقية خصوصًا. وأخذت المنظمات الأممية والأميركية والأوروبية ومعها المنظمات الإسرائيلية المعنية بحقوق الإنسان تصنف دولة إسرائيل، كدولة فصل عنصري، ومنها منظمة "بتسيلم"، وحركة السلام الآن، ومنظمة العفو الدولية "امنستي"، وهيومن رايتس ووتش، ومجلس حقوق الانسان الاممي وغيرها العديد من المنظمات القارية والأممية.
وكانت نحو عشر منظمات ومعابد دينية يهودية في الولايات المتحدة الأميركية، وقعت على عريضة إلكترونية في 17/1/2022 تدعو إلى مقاطعة مهرجان سيدني الفني في أستراليا، وأعلنوا رفضهم لاستمرار سياسات الفصل العنصري والاستعمار الاستيطاني والاحتلال للأراضي الفلسطينية، وأضافت: "نحن اليهود نتشرف بالوقوف إلى جانب أشقائنا الفلسطينيين، ونرفض أن نكون متواطئين في أفعال إسرائيل المخرطة في أعمال عنف يومية مثل المحاكم العسكرية ونقاط التفتيش والمستوطنات والقتل وسرقة الأراضي والمضايقات اليومية للمجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية وحصار غزة والضربات الجوية والهجمات على القدس".

كما أجرى معهد الانتخابات اليهودي استطلاعًا في الفترة بين 28 حزيران/يونيو 2021 عبر الانترنت، وشمل 800 ناخب يهودي، قد كشف تنامي حدة انتقادات اليهود الاميركيين لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
وأظهر الاستطلاع أن 34% من اليهود الأميركيين يرون أن "معاملة إسرائيل للفلسطينيين مماثلة للعنصرية في الولايات المتحدة"، وأتفق 25% على أن "إسرائيل دولة فصل عنصري"، ووافق 22% على أن "إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين" قبل قرابة العامين من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية في عموم الوطن الفلسطيني وفي قطاع غزة تحديدًا.
وفي هذا السياق، أصدرت منظمة العفو الدولية "امنستي" تقريرًا في 16/2/2022 الواقع في 211 صفحة، الذي ترجمه المراسل السياسي لصحيفة "يديعوت احرونوت" ايتمار إيختر، وأكد من المتوقع أن يكون واحدًا من أصعب التقارير ضد إسرائيل، وتم على إثر ذلك مهاجمة المنظمة واعتبرتها وزارة الخارجية الإسرائيلية معادية لإسرائيل، ومعادية للسامية.

كما أن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان قدم بيانًا أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي نيابة عن 114 منظمة من منظمات المجتمع المدني الفلسطينية والإقليمية والدولية، موجهًا رسالة قوية للدول الأعضاء بالمجلس بشأن الضرورة القصوى للاعتراف الدولي بفرض إسرائيل وإدامتها نظاما للفصل العنصري ضد الفلسطينيين.

ما تقدم كان بمثابة أرهاصات للتحولات النوعية في الرأي العام الأميركي والأوروبي والأممي لصالح القضية الفلسطينية ودعم حقوق الشعب لنيل حقوقه السياسية واستقلاله على أرض وطنه فلسطين، ورفض الإبادة الجماعية المتواصلة منذ 221 يومًا على قطاع غزة، والمطالبة بوقف الحرب وتبادل الأسرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ومطالبة الإدارة الأميركية بوقف امدادها لإسرائيل بالأسلحة الفتاكة والمال والدعم السياسي والديبلوماسي والإعلامي دون وجه حق، وباعتبارها تقود الإبادة الجماعية مع أداتها الوظيفية.
مما دعا المنظمات الصهيونية والوكالة اليهودية و"الايباك" للتنادي استشعارًا منها لأخطار التحول النوعي في الرأي العام العالمي عمومًا والغربي خصوصًا، ولدراسة التحولات الجارية على الأرض في الشارع الأميركي والأوروبي الداعمة للشعب الفلسطيني، وتبني السردية الفلسطينية، وتراجع الرواية الإسرائيلية، ووضع الخطط الكفيلة لوقف الدعم للقضية والشعب الفلسطيني، واستعادة الزخم للرواية الإسرائيلية القائمة على الكذب والتزوير والافتراء على حقائق التاريخ والجغرافيا والقانون الدولي. ولهذا تخوض الإيباك والمنظمات الصهيونية والمسيحية الافنجليكانية حربًا ضروس ضد الشخصيات الأميركية المرشحة للانتخابات في الولايات المختلفة، وضد الحركات الطلابية المساندة للشعب الفلسطيني، ودفعت عشرات الملايين من الدولارات لإسقاط المرشحين الديمقراطيين وغيرهم من الداعمين والمنادين بوقف الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني، وتحقيق الحقوق السياسية الفلسطينية في الاستقلال والحرية والعودة وتقرير المصير.
هذا الموقف يتطلب من القيادة الفلسطينية وضع الخطط الضرورية مع الشركاء من الأشقاء العرب والدول الإسلامية وأنصار السلام الأمميين لمواجهة الهجمة الصهيونية والدول العميقة في واشنطن والعواصم الأوروبية وأنصارها، من خلال تأطير هذه القوى في هيئات قيادية من مختلف المنظمات والفعاليات الداعمة للحقوق الوطنية بحيث تتم المحافظة على زخم الدعم للقضية والشعب الفلسطيني وفق برامج عمل تتواءم مع شروط كل دولة لتحقيق النتائج المرجوة.