جاءت ردود الفعل على خطاب سيادة الرئيس محمود عباس أمام البرلمان التركي يوم الخميس الخامس عشر من آب/أغسطس الحالي متباينة ومتعارضة، تيار فلسطيني وعربي وأممي رحب بما تضمنه الخطاب في عناوينه ومفاصله ورسائله المختلفة، ودعا بحماس لشق الطريق لترجمته على الأرض، وخاصة في النقطة المحورية فيه، التي أعلن فيها عن نيته "التوجه إلى قطاع غزة مع أركان القيادة الفلسطينية، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش ومن يرغب من الزعماء العرب"؛ حتى أن أحمد داوود أوغلو، رئيس حزب المستقبل التركي طالب الرئيس أردوغان لعقد قمة للدول الإسلامية لدعوة رؤساء وزعماء الدول للتوجه مع الرئيس عباس إلى غزة، وهو ما يعكس الاهتمام بالحجر الكبير الذي ألقاه أبو مازن في مياه المصالحة الراكدة، وأثره في كسر دوامة الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية على الشعب الفلسطيني، وانعكاس الخطوة النوعية على الأقطاب الدولية والمنابر الأممية المناصرة وغير الداعمة للحقوق السياسية الفلسطينية. 

وتيار ثاني متشكك، معتبرًا قنبلة عباس التوجه إلى محافظات الجنوب الغزية مجرد شو إعلامي، وبالون اختبار لردود الفعل الفلسطينية والعربية والدولية، ولا يعدو مجرد دغدغة لعواطف الشعب الفلسطيني. وباتجاه آخر يسأل، لماذا سيذهب الرئيس عباس للقطاع؟ ولماذا تأخر حتى الآن لإعلان هذا الموقف؟ ألم يكن بالإمكان التوجه قبل هذا التاريخ إلى غزة؟ ولماذا انتظر 315 يومًا من الإبادة الجماعية؟ وهل يجوز الذهاب قبل تشكيل حكومة وفاق وطني، أم أنه يريد أن يعوم حكومة الدكتور محمد مصطفى؟ وهل لهذا التوجه علاقة باليوم التالي للإبادة الجماعية؟ وما هو موقف قيادة حركة حماس من الخطوة؟ هل سترحب بها، أم ستعارضها وتحول دون تنفيذها؟ وهل سيبقى متمسكًا برؤيته السياسية، أم سينتقل لاشتقاق رؤية سياسية جديدة؟ وما هي مرتكزاتها؟ وأليس طرحه انتظار تأمين الأمم المتحدة عمومًا ومجلس الأمن الدولي لتوجهه للقطاع نوع من التهرب من خيار التوجه للقطاع؟ وهل مجلس الأمن يستطيع ان يؤمن للوفد الفلسطيني الحماية؟ ألم ترفض إسرائيل النازية ومن خلفها الولايات المتحدة قرارات الشرعية الدولية، واتهمت المنظمات الأممية وخاصة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ب"الإرهاب"؟ وما مدى استجابة الملوك والرؤساء العرب لمشاركة الرئيس عباس والوفد الفلسطيني في التوجه للقطاع؟. 

أسئلة عديدة آثارها قرار أبو مازن بالتوجه للقطاع، وأستطيع أن أجزم، بأن الخطوة الشجاعة والهامة التي أعلن عنها حقيقية، وليست للشو الإعلامي، ولا لدغدغة عواطف أبناء الشعب. لأن الضرورة الوطنية أملتها في ظل استباحة الشعب، وإدماء قلوب اطفاله ونسائه وشيوخه وشبابه، وردًا على توجهات حكومة نتنياهو النازية بفصل القطاع عن الضفة الفلسطينية، وخلق أدوات محلية مثل روابط القرى، وتكريس الوحدة الوطنية الرافعة الأهم لكفاح الشعب في مواجهة التحديات الإسرائيلية والأميركية، وكسر حالة الاستعصاء القائمة منذ سبعة عشر عامًا خلت من الانقلاب على الشرعية، واستشعاره المسؤولية الشخصية والوطنية لوضع الاتفاقات والاعلانات المبرمة بين الفصائل الوطنية وحركة حماس بشأن المصالحة الوطنية موضع التنفيذ، والخروج من نفق المراوحة. ومن المؤكد حسب ما أعتقد، أن يدعو رئيس المجلس الوطني المجلس المركزي للانعقاد قبل التوجه للقطاع، لتبني الخطوة الهامة، والعمل على وضع قرارات المجلسين السابقة (الوطني والمركزي) موضع التنفيذ، ودعوة حركتي حماس والجهاد الإسلامي للمشاركة في الدورة الجديدة لدفع الأمور قدمًا في تكريس الوحدة الوطنية، والشروع بالإعداد لتشكيل قوام المجلس الوطني الجديد، وتحديد موعد للانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني، والاتفاق على برنامج كفاحي يتوافق مع مصالح الشعب العربي الفلسطيني، ودراسة الواقع الناجم عن الإبادة الإسرائيلية الأميركية خلال العشرة أشهر الماضية، واستخلاص الدروس والعبر الوطنية والقومية والدولية، حتى يذهب الوفد الفلسطيني برئاسته على أسس واضحة وفق البرنامج السياسي الذي سيتم اعتماده. 

وأي كانت المواقف الإسرائيلية من توجه الوفد الفلسطيني الاممي والعربي، وعنوانها الأساس رفض وتعطيل توجهه للقطاع، إلا أن الضرورة الوطنية تحتم ابتداع واشتقاق الأساليب الوطنية والأممية لتحقيق الخطوة الهامة والكيفية الآن. وكسر الفيتو الإسرائيلي النازي المعطل لوحدة وتلاحم الشعب الفلسطيني. لا سيما وأن الرئيس عباس، أعلن أن روحه وحياته ليست أغلى من حياة الأطفال والنساء والشهداء الذين تجاوزوا الأربعين ألفًا، وما يزيد على الإثنين وتسعين ألف جريح، وما يفوق العشرة آلاف مفقود تحت الأنقاض، فضلاً عن الدمار الهائل الذي أعاد مدن وبلدات ومخيمات القطاع عشرات السنوات للخلف، حتى باتت اطلالاً، أضف إلى أن توجه الوفد سيتم بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من كل مليمتر من القطاع دون قيد أو شرط، ومؤكد سيكون لوجود القيادة الفلسطينية برئاسة أبو مازن علاقة باليوم التالي للإبادة الجماعية، ولإعادة إعمار ما دمرته حرب الأرض المحروقة، ولشد أزر أبناء الشعب المنكوب بالكارثة والنكبة الإسرائيلية الجديدة. وباعتقادي أن الخطوة تأخرت، لكن أن تأتِ متأخرًا خيرًا من ألا تأتي، وأفترض أن للرئيس أسبابه الموضوعية في التأخر، وليست أسبابًا ذاتية. 
وبناءً على ما تقدم، تفرض الضرورة دعم واسناد الخطوة الجريئة والنبيلة من قطاعات الشعب المختلفة ونخبه السياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية والأكاديمية والاجتماعية والدينية لتكريس أبعادها الوطنية على أرض الواقع.