تعتبر الثروة الحيوانية من أهم مصادر الأمن الغذائي للبشرية، حيث توفر مصدر مهم للحوم الحمراء التي يعتمد عليها للتغذية. في كل الأزمنة والعصور، وفي كل المدن والقرى حيث يعمل المزارعون  على تربية مواشيهم من الأغنام والأبقار، لذا فإن مهنة الرعي مهنة أزلية منذ قدم التاريخ، وتعتبر مهنة الرعي مهمة لأنه يقلل من تكاليف تربية المواشي لتكون في إطار الإمكانات التي يحصل فيها على مصادر التغذية ضمن الإمكانيات المادية الشعبية. 

كما هو الحال في كل الأماكن والأزمنة ينطلق الرعاة مع مواشيهم إلى الحقول والتلال لترعى الأغنام فيها. وهكذا هو حال الرعاة الفلسطينين وهي إحدى سمات أنبيائهم التي يتفاخرون بها فقد كان النبي عيسى عليه السلام راعيًا، والنبي محمد عليه الصلاة والسلام يعمل في الرعي قبل نزول النبوة عليه أيضًا، ويقول النبي محمد صل الله عليه وسلم "ما بعث الله نبيًا إلا ورعى الغنم" حيث يقوم الرعاة بالانطلاق  بماشيتهم كل صباح ويعودون إلى مراكزهم وبيوتهم بها مع حلول المساء، ولكن مع انتشار الاستيطان في الضفة الغربية، وتحويل مساحات كبيرة من الأراضي إلى ما يسمى بمحميات طبيعية فقد تقلصت المساحات الرعوية بسبب الأنظمة والقوانين العسكرية  التي أقرها الاحتلال في سبيل مصادرة الأراضي لأغراض الاستيطان، كما أن جدار الفصل العصري قلص المساحات الرعوية إلى %19 من مساحة الأرض الرعوية حيث التهم أكثر من 320 ألف دونم .
وتحت حجج واهية أقدمت سلطات الاحتلال على تقليص المساحات الرعوية أيضًا بحجج مناطق عسكرية، وطرق التفافية واستيطانية. وقد قامت سلطات الاحتلال بمنع المزارعين من الرعي في المساحات الرعوية، ولاحقتهم وهدمت حظائرهم وصادرت كثيرًا من المواشي، والأدوات الزراعية في مساعيها لطرد الفلسطينين إلى مناطق تسمى A, B.

ولقد أسهم الاستيطان وبناء الطرق الالتفافية بتقليص المساحات الرعوية وعمل المستوطنون على مطاردة المزارعين وتهديدهم وقتل مواشيهم وتسميم الآبار والمراعي. ومع صعود نجم ما يسمى شبان التلال من المستوطنين الذين أخذوا يضايقون المزارعين في شتى السبل والوسائل التي تمنع المزارعين من القيام بعملهم في الحقول والبراري والتلال لرعي المواشي. بل وذهبوا إلى أبعد من ذلك في تسميم الحقول وآبار المياه الجمعية، مما أدى إلى نفوق مجموعات كبيرة من الأغنام، وقاموا أيضًا بالاستيلاء على العديد من الأغنام أثناء عملية الرعي في تلك الحقول. تجري العمليات في وجود الجيش الإسرائيلي الذي لا يحرك ساكنًا، وفي معظم الأحوال يشارك الجيش المستوطنين تلك المهام، ويقدم لهم الحماية.

وعلى مدى تطور الاستيطان تحاول الحكومة الإسرائيلية، إصدار القوانين والأحكام العسكرية لمنع تمدد السكان وخاصة في المناطق التي اسمتها "ج"، وحدت بذلك من عملية الرعي في البراري وأصبح المزارع يعتمد في إطعام الماشية بشكل أكبر على الأعلاف التي يرتفع سعرها لأسباب عديدة، وسببت في ارتفاع أسعار اللحوم.
وبسبب تلك الظروف المحيطة في عملية الرعي من المضايقات التي سببها الاحتلال والاستيطان، فقد تقلصت أعداد المواشي إلى أكثر من ثلثي هذه المواشي، وأصبحت هذه المادة الغذائية مكلفة للمستويات الشعبية ومتوسطة الدخل في فلسطين.
ويعتبر الأمن الغذائي في فلسطين ضرورة ملحة يجب الانتباه إليه، والعمل على حل مشاكله، حتى لا نجد أنفسنا أمام مطبات جيوسياسية تسبب نقص في أحد مكونات الأمن الغذائي الفلسطيني. 

المهم في هذا الخضم متى سيخرج الرعاة الفلسطينيون إلى الحقول؟ دون خوف أو وجل، دون أن يقف المحتل والمستوطن في طريق مراعيهم، دون أن تطاردهم في الوديان والتلال والحقول زعران الاحتلال، وجيباتهم وتشرد اغنامهم، وترحلهم عن مراعيهم، "يرونه بعيدًا ونراه قريبًا". الاحتلال اليوم يكاد يحاصر الشعب الفلسطيني في كل زاوية من زوايا حياته اليومية فهو لا يرى أن الشعب الفلسطيني له الحق في الحياة. لقد صادر الاحتلال حق الفلسطيني في المياه، والزراعة، والحصاد، والحركة، وأفقدهم مصادر رزقهم، هذا هو الدفع إلى التهجير القسري للشعب الفلسطيني خارج أرضه ووطنه.