كلما لاحت بارقة أمل في إحداث انفراجة نسبية لإبرام صفقة التبادل لأسرى الحرب من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، ووضع ركائز لهدنة تبدأ بستة أسابيع في المرحلة الأولى، تليها مرحلة ثانية وثالثة وصولاً لوقف حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني وفق الرؤية الأميركية، يخرج الساحر ولاعب الثلاث ورقات نتنياهو رافعًا كرت أحمر، مسقطًا التقديرات الساذجة والمتسرعة في تفاؤلها. لأن رئيس حكومة الحرب وأقرانه في الائتلاف الحاكم يرفضون من حيث المبدأ وقف نيران حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم الوطن الفلسطيني لأكثر من عامل شخصي وايديولوجي وارتباطًا بأهداف المشروع الصهيوني الاستراتيجي، وتتمثل في: أولاً رغبة نتنياهو الشخصية وحلفائه من الصهيونية الدينية سموتيريش وبن غفير وغيرهم بإدامة الحرب.

لأن وقفها يعني فتح دفاتر الحساب الجديدة والقديمة عن السابع أكتوبر وقضايا الفساد الأربعة المطروحة في المحاكم، وبالتالي مغادرة كرسي الحكم، والذهاب إلى البيت أو إلى السجن، والموت في زوايا مظلمة، كما حصل مع بيغن سابقًا؛ ثانيًا العمل على تحقيق الهدف الأيديولوجي الصهيوني لرئيس الوزراء، الذي يسكنه، كما يسكن الثنائي وزير المالية ووزير الأمن القومي والآخرين بإقامة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات؛ ثالثًا نفي الشعب العربي الفلسطيني عبر عملية تهجير قسري وتطهير عرقي واسعة لتحقيق شعار الحركة الصهيونية الأساس الناظم لأهدافها الكبرى، وهو "أرض بلا شعب، لشغب بلا أرض"، وما يجري في غزة والضفة بما فيها القدس العاصمة مرورًا بكل المحافظات يصب في هذا الهدف. 
ولهذا تمت صياغة صفقة القرن المشؤومة من قبل نتنياهو، التي تبناها الرئيس الأميركي السابق ترامب، وبدأ تنفيذها في السادس من ديسمبر 2017 بالاعتراف بالعاصمة الفلسطينية القدس، عاصمة لإسرائيل، وتلا ذلك سلسلة من الخطوات لتصفية القضية الفلسطينية، وترافقت مع مصادقة الكنيست الإسرائيلي على "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" في يوليو 2018، والذي نفى أي حق للفلسطينيين في تقرير المصير، والاستقلال في حدود دولتهم المحتلة في 5 يونيو 1967، وبقاءهم مجرد عبيد ومأجورين في سوق العمل الأسود الإسرائيلي، ومن لا يقبل مصيره الموت والتطهير العرقي.

ورغم معرفة نتنياهو جيدًا، أن القادة الصهاينة الاخرين ليسوا أقل منه التزامًا بأهداف الحركة الصهيونية، إلا أن أولوياتهم في إدارتهم لحرب التطهير العرقي على الفلسطينيين تتباين مع الآليات التي ينتهجها. لأنهم ليسوا مسكونين بنرجسية البقاء في كرسي الحكم، ويحرصون على تدوير الزوايا، والأخذ بعين الاعتبار مواقف الحلفاء وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتطورات السياسية في الإقليم، وقبل ذلك المصالح الإسرائيلية وحمايتها من التبديد لحسابات شخصية ونفعية.
المهم رجل إسرائيل القوي، رغم أنه صاحب الرسالة المرسلة للرئيس بايدن، التي حملت وجهة نظره لإنهاء الحرب، وأعاد صياغتها بمشروع قرار لمجلس الامن الدولي، وصودق عليه في 10 يونيو الماضي تحت القرار الدولي 2735، إلا أنه رفض الالتزام به، وعندما أدخلت الإدارة الأميركية تعديل على الفقرتين ال8 و14 من القرار الأممي، ووافقت حركة حماس على التفاوض دون وجود التزام ونص واضح بوقف حرب الإبادة الجماعية لا فورًا ولا بالتدريج، وتساوقت مع صيغة تافهة عنوانها الالتزام الشفوي، وهي تعلم أن الولايات المتحدة وإسرائيل تمزقان المعاهدات الأممية، والعهود والاتفاقات برمشة عين، المهم هذا ليس موضوعنا، رغم ذلك رفض نتنياهو الموافقة، وكل ما وافق عليه بعد اتصال الرئيس بايدن به على إرسال وفده المكون من رئيس الموساد ومدير مكتبه، ولم يرسل معهم رئيس جهاز الشاباك، وبعد عودة الوفد، وقبيل الاجتماع مع القادة العسكريين أصدر بيانًا يوم الأحد الماضي في 7 يوليو الحالي حدد فيه خطوطه الحمراء لوقف الحرب، وهي خطوط تؤكد على نقطة واحدة فقط، هي استمرار لحرب الإبادة لا غير، أولاً أي اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة يجب أن يتيح لإسرائيل مواصلة القتال حتى تحقيق أهداف الحرب؛ ثانيًا الاتفاق يجب أن يمنع تهريب الأسلحة إلى حماس عبر الحدود بين غزة ومصر؛ ثالثًا يجب إلا يسمح لآلاف المسلحين بالعودة إلى شمال غزة؛ رابعًا إسرائيل ستعمل على إعادة اكبر عدد من الرهائن الأحياء؛ خامسًا الخطة التي وافقت عليها إسرائيل ورحب بها الرئيس الأميركي جو بايدن ستسمح لإسرائيل بإعادة الرهائن دون المساس بالأهداف الأخرى للحرب.

وعقبت وسائل إعلام إسرائيلية يوم أول أمس الاثنين في 8 يونيو، فإن قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية شعروا بالصدمة من الشروط التي طرحها رئيس حكومتهم للمضي في صفقة تبادل الأسرى مع أذرع المقاومة، وعبروا عن ذلك أمامه في الاجتماع المذكور مساء الأحد في مكتب نتنياهو. كما أسقط في يد قادة المعارضة وذوي الاسرى الإسرائيليين، وكتب لابيد، زعيم المعارضة على منصة "إكس" لدي سؤال واحد ردًا على رسالة مكتب رئيس الوزراء "نحن في لحظة حرجة من المفاوضات حياة المختطفين متوقفة عليها، لماذا تصدر مثل هذه الرسائل الاستفزازية؟" وغيرها من ردود الفعل الإسرائيلية الغاضبة، التي اعتبرت بيان نتنياهو عشية عودة الوفد الإسرائيلي للدوحة بمثابة وضع العصي في دواليب المفاوضات، ولا سبيل للتوقيع على صفقة لتبادل الأسرى. 
مع ذلك سعت الإدارة الأميركية لامتصاص الغضب من بيان نتنياهو، وقامت بإرسال رئيس الCIA ونائبة وزير الخارجية للضغط على أذرع المقاومة، وترويض قادة حماس للتساوق مع خطوط نتنياهو الحمراء. حتى أن كيربي أعلن أول أمس مبررًا للتغطية على فجور وغطرسة نتنياهو، بالادعاء أن ما يجري في غرف المفاوضات مختلف عما يتم الإعلان عنه، وكأن لسان حال الإدارة الأميركية على قيادة حركة حماس أن تقبل الرؤية الإسرائيلية.

ومع أن ما ذكره كيربي من حيث المبدأ صحيح، بأن ما يجري في الغرف المغلقة مغاير لما يتم الإعلان عنه. لكن بالنسبة لنتنياهو وأقرانه من أنصار مواصلة حرب الإبادة ما يعلنوه في الغرف المغلقة، هو ما يصرحوا به علنا، ولا يتورعون عن الإعلان عن رغباتهم وأهدافهم دون رتوش أو مساحيق. لأن الإدارة الأميركية تغطي حربهم، وهي من قاد دفة الحرب على الشعب الفلسطيني. وبالنتيجة فإن حكومة حرب الإبادة الإسرائيلية ماضية في خيارها لتحقيق الاهداف المذكورة في بداية المقال، ولن يكون هناك وقف لإطلاق النار، وستسمر عمليات الإبادة في القطاع والضفة وفي مقدمتها القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين، رغم دخول الحرب شهرها العاشر، وللحديث بقية.