يشهد خط بيروت تل أبيب حراكًا مكوكيًا يشقه ذهابًا إيابًا آموس هوكشتين، الإسرائيلي المولد (عام 1973) والجنسية والخادم في الجيش والراعي لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية اللبنانية الإسرائيلية، والمبعوث الأميركي وفق ما هو معلن لمنع توسيع نطاق الحرب الدائرة على قطاع غزة منذ 9 شهور، بيد أنه وفق ما أعتقد يعمل على عكس ذلك، وأن كانت التهدئة مطلوبة لبعض الوقت لحين تحقيق دولته اللقيطة أهدافها المعلنة في القطاع، إلا انه لن يطفئ  نيران الاشتباك المضبوط، الذي بينه وبين اشتعال الجبهة الشمالية مسافة طلقة طائشة من هنا أو هناك، وسيواصل جهوده لإبقاء النار متقدة حتى ساعة الصفر الإسرائيلية، إن لم يسبقها لذلك حزب الله ارتباطًا بتقديره لمجرى العمليات العسكرية الدائرة. 
ويحضرني في هذا المقام، الدور الذي لعبه الموفد الرئاسي الأميركي، دين بروان عشية اشعال نيران الحرب الأهلية في لبنان عام 1975، الذي بذل جهودًا متواصلة آنذاك لصب الزيت على نيرانها، وحقق هدف الإدارة الأميركية في إطلاق شرارتها لتصفية قوات الثورة الفلسطينية في لبنان، وكان مقررًا لها أن تكون عام 1973، إلا أن حرب أكتوبر العربية الإسرائيلية في ذلك العام أجلت انفجارها. وكان خطط لها وهندسها هنري كسينجر اليهودي الاميركي، وزير الخارجية الأميركية الأسبق، الذي قال: "كاد بروان أن يفشل، لكنه واصل اللعب على الحبلين حتى نجح في اشعال فتيل الحرب". وهذا ما يسعى الإسرائيلي الأميركي هوكشتين من تحقيقه وفق شروط اللحظة السياسية الراهنة.


رغم أن حزب الله ولبنان حكومة وشعبًا لا يريدون توسيع نطاق الحرب على جبهة الجنوب اللبناني، لهذا أبقى الحزب حدود الاشتباك محصورة بوقف الحرب على قطاع غزة. لكن حكومة حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ومن خلفها الولايات المتحدة، لن تسمح لتكتيك ونهج حزب الله في فرض زمان وآليات إدارة الحرب وفق مشيئته، ولا بد من توجيه ضربة قاصمة له، كونهم يفترضوا بأن الكلمة العليا لهم في الوطن العربي والاقليم. ولأن القبول برؤية الحزب يضعف من دورهم، ويهدد مخططهم الاشمل في فرض التطبيع المجاني بين الدول العربية وإسرائيل، وبالتالي مصالحهم الحيوية في الشرق الأوسط عمومًا. 
ومن خلال المتابعة لمواقف المستويين السياسي والعسكري الإسرائيلي، نستشف مما أعلنوه على الملأ، انهم وضعوا الخطط العسكرية، وحددوا ساعة الصفر لفتح الجبهة الشمالية، لاعتقادهم أن الحزب تجاوز الخطوط الحمر بنشر الفيديوهات الأخيرة، التي التقطتها طائرة الهدهد المسيرة لميناء حيفا والجليل الأعلى والغربي، وباستهداف صواريخه لطبريا وصفد وغيرها من المناطق الحساسة. فضلا عن عدم تمكن سكان المستعمرات الشمالية من العودة لها طيلة الشهور الماضية من الحرب على القطاع، مما كبد الدولة العبرية خسائر فادحة، وأفقد سكان تلك المستعمرات الثقة بحكومة الحرب، وأعلن رئيس بلدية المطلة أن من يملك القرار على مستعمراتهم، هو حزب الله، وليست حكومة نتنياهو مما زاد من الضغوط على مجلس الحرب، وضاعف من إرباكه، ووضع المستويين السياسي والعسكري في موقف حرج.


ومن يعتقد أن الإدارة الأميركية تريد التهدئة على جبهة الشمال يكون مخطئًا، ولا يعي الاعيب الإدارات الأميركية المتعاقبة، التي تقول عكس ما تفعل، وما تريد تحقيقه. وإذا كانت الحرب على القطاع خلال ال258 يومًا الماضية تؤثر سلبًا على حملتها الانتخابية نسبيًا، مما دعاها لتمرير مشروع قرارها في مجلس الأمن يوم الاثنين 10 يونيو الحالي لذر الرماد في العيون، لكنها لم تضعه موضع التنفيذ، ومازالت توجه الاتهام لأذرع المقاومة الفلسطينية بعدم الالتزام بالقرار لكسب الوقت وافساح المجال لحكومة نتنياهو مواصلة حربها على الشعب الفلسطيني. 
ويستحضرني هنا ما فعلته إدارة بوش الابن عندما شنت حربها على العراق 2003، حيث لم تحصل حينئذ على قرار من مجلس الأمن، ولا حتى من الجمعية العامة، ومع ذلك شكلت مع بريطانيا حلفهما الثلاثيني وشنت الحرب واحتلت العراق، وبالتالي الإدارة الأميركية مع مواصلة حرب الإبادة، لكن وفق الياتها وبشكل متدحرج. وعليه لا أعتقد أن الحزبين والمرشحين للرئاسة الرئيس الحالي بايدن، الذي ضغط على النائبين الديمقراطيين للموافقة على إبرام صفقة طائرات F15 التي تزيد كلفتها عن 18 مليار دولار أميركي، ومنافسه الحزب الجمهوري ومرشحه ترامب  ليسوا ضد الحرب من حيث المبدأ، ولكن كل منهما له رؤيته في ادارتها وبلوغ أهدافها. 
من هنا أؤكد، ان هوكشتين يعمل لتوسيع الحرب، وليس للتهدئة، ولكن وفق الأجندة والرؤية الأميركية، والتي تتطابق مع الرؤية الإسرائيلية في الأهداف، وتختلف في التكتيكات لإدارتها.