يحلم الأطفال في كل بقاع الأرض، بأن يصبحوا رواد فضاء، أو نجوم كرة قدم، أو أطباء. لكن، هناك بقعة على هذه الأرض، لا تتعدى أحلام الأطفال فيها أبسط أمور الحياة وأكثرها بداهة. ففي قطاع غزة، يحلم الأطفال أن تنتهي فظاعات الصراع، وأن يعودوا إلى بيوتهم، وأن ينعموا بأبسط المتع، كأن يكون لديهم ما يكفي من الخبز ليتقاسموه مع العائلة ويشبعوا جوعهم.

ولأنهم أطفال، فأحلامهم منسوجة بخيوط من الأمل، ومعقودة بآمال عودة مظاهر الحياة الطبيعية إلى حياتهم. يقول كنان البالغ من العمر عشر سنوات: "أكثر ما أفتقده هو الذهاب إلى المدرسة. حلمي الوحيد الآن هو أن تتوقف هذه الحرب، وأن يرسل لنا العالم الخبز الذي نحتاجه بشدة". ينتظر كنان دوره أمام المخبز، حيث يطول الانتظار لمدة 5 أو 6 ساعات قبل أن يتمكن من الحصول على الخبز له ولعائلته.

كثرٌ هم الأطفال، مثل كنان، الذين يتحملون أعباء الكبار، ويحاولون مساعدة أسرهم في الحصول على الطعام والمياه الصالحة للشرب، في ظل استمرار الأعمال العدائية.

فقد اضطرت سلوى البالغة من العمر ثماني سنوات إلى الفرار مع عائلتها من مدينة غزة، وهم الآن نازحون في رفح. يجب أن تكون سلوى الآن في حصة دراسية، في طريقها لتحقيق حلمها بأن تصبح يوماً ما ممرضة. لكن، عوضاً عن ذلك، تمضي يومها في بحث مستمر عن مياه صالحة للشرب كي يبقى أحبتها على قيد الحياة، مشاعر سلوى متغلغلة في الاعماق، وهي تتمنى ألا يعاني أي طفل من الظروف القاهرة التي تعيشها. تقول سلوى: "أحب جميع الأطفال، ولا أريدهم أن يموتوا مثلنا". لا ينبغي أن يقول هذا الكلام من بلغ من العمر ثماني سنوات ليس إلا.

تحولت أحلام الأطفال في قطاع غزة إلى كوابيس، يعيش الأطفال في خوف مستمر، وتراودهم الشكوك حول إمكانية عودتهم إلى منازلهم وإعادة بناء حياتهم من جديد.

وتقول رهف البالغة من العمر 10 سنوات، وهي تساعد والدها في إعداد الشاي الساخن على نار الحطب، لندرة الوقود وغاز الطهي والكهرباء: "أحلم بمستقبل أستطيع فيه العيش دون الخوف الدائم من أن أقتل".

قبل الأزمة الحالية، بلغ عدد الأطفال في قطاع غزة ممن هم بحاجة إلى شكلٍ من أشكال الدعم في مجال الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي (MHPSS) أكثر من 543 ألفاً. أدى تعرض هؤلاء الأطفال بشكل متكرر للأعمال العدائية ولانعدام الأمن على الدوام إلى زيادة شعورهم بالقلق اليومي. وقد فاقم التصعيد الهائل في الصراع مشاكل صحتهم النفسية، وحطم أحلامهم وآمالهم، وضاعف حاجتهم إلى خدمات حماية الطفل الملحَة، ويكتنف حياتهم خوف دائم يجعلهم يشككون في إمكانية بقائهم على قيد الحياة من يوم لآخر، ويؤثر بشكل عميق على حالتهم العاطفية والنفسية.

ويقول أحمد، البالغ من العمر 14 عاماً، الذي فر من منزله في جباليا هرباً من القصف: "كنت أرغب بأن أصبح طبيباً، لكن حلمي الأكبر اليوم هو ببساطة أن أبقى على قيد الحياة"، ورسالتي إلى العالم هي إنهاء العنف في غزة، فنحن أطفال، مثلنا مثل كل الأطفال في أي مكان آخر من العالم.

انهارت خدمات التعليم في قطاع غزة منذ بدء الأعمال العدائية الواسعة، مما أدى إلى إنهاء التعليم لأكثر من 625 ألف طالب. ولا يزال غياب التعليم النظامي، إلى جانب فقدان الأقارب ومقدمي الرعاية، والنزوح، والخوف، وصدمات الحرب، يؤثر على الصحة النفسية للأطفال والمراهقين.

وتقدم اليونيسف للأطفال، بالتعاون مع شركائها، خدمات الصحة النفسية والدعم النفسي والاجتماعي من أجل التصدي بشكل أفضل للأهوال المستمرة، وقد وفرت خدمات الدعم النفسي والاجتماعي لأكثر من 3,500 طفل من خلال خط مساعدة الأطفال والأنشطة التي قدمتها في 15 مركزاً للإيواء في دير البلح ورفح في جنوب قطاع غزة.

وعلى الرغم من الظروف الصعبة، يتمسك أطفال قطاع غزة بالأمل. حيث يتطلع هؤلاء الأطفال للعودة إلى المدرسة والدراسة واللعب، ويتوقون إلى العودة إلى منازلهم مع عائلاتهم. في النهاية، إنه شعور مشترك يتخطى الحدود والصراعات، كل طفل، بغض النظر عن الظروف، يستحق بأقل تقدير فرصة أن يكون طفلاً وأن يستمتع بلحظات الحياة الثمينة.