بقلم: الحارث الحصني

ماذا يحدث منذ أسبوعين في نبع رأس العوجا، أحد التجمعات السكانية في أريحا، ليس أحد أفضل من فرحان غوانمة للإجابة عن سؤال يحتاج الكثير من الشرح والوصف.

ويقول غوانمة الذي بدت عليه رتابة الحديث، من المواطنين الذين باتت أيامهم الأخيرة مليئة بالأحداث الساخنة في المنطقة: "حاصرونا من أربع جهات، لم يعد بمقدورنا التحرك بحرية، وأصبح هذا الشيء يتكرر بشكل شبه يومي في إحدى مناطق قاع العالم "أريحا"، ويتم تداول أخبار عن اقتحامات لمستعمرين للتجمع الذي يفتقر لأدنى مقومات الحياة فيه.

ويبث ناشطون بشكل متكرر على فضاء التواصل الاجتماعي "فيسبوك" ومجموعات عبر "واتساب" و"تلغرام" تُعنى بتوثيق انتهاكات المستعمرين والاحتلال، صورًا، ومقاطع فيديو للمستعمرين وهم بين خيام المواطنين، وفي حظائر ماشيتهم.

ويقول المشرف العام لمنظمة "البيدر" للدفاع عن حقوق البدو حسن مليحات: هناك أيام يقتحم بها المستعمرون تجمع رأس العين مرتين يوميًا، حيث يأتون كل مرة بوجوه جديدة، يعملون ضمن خطة واضحة لإرهاب السكان وإجبارهم على الرحيل، ومنذ أسبوعين تقريبًا وسحابة المستعمرين تغطي التجمع، يقتحمون المساكن ويستولون على مواشينا بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي".

وفي العوجا، والتجمعات السكانية المحيطة بها، يأخذ نمط الحياة لدى السكان شكلا متشابها إلى حد ما من خلال تربية الماشية، وزراعة البقوليات كــخيار ثان لهم. وأمكن مشاهدة قطعان الماشية وهي في حظائرها أو ترعى في أماكن قريبة منها.

وبينما كان فضاء الجبال والمراعي قبل سنوات في العوجا من أهم مصادر الغذاء المجاني للمواشي، أصبحت اليوم في قاموس أحلامهم.

ويضيف غوانمة: "منذ أربعة أيام وماشيتي بحظيرتها، وجود المستعمرين حال دون وصولنا إلى المراعي القريبة لسد رمق تلك المواشي".

فمنذ سنوات بدأ "فيروس" البؤر الاستعمارية الرعوية خاصة بالتفشي في الأغوار الفلسطينية على طول امتدادها. ومع تقدم السنوات، صار الأمر يسلك منحى خطيرا بالنسبة للأرض والبشر.

تقول الأرقام التقديرية التي أدلى بها مليحات: "أن المستعمرين يستولون على قرابة 20 ألف دونم من الأراضي الرعوية في محيط التجمع البدوي"، والموضوع يأخذ أبعادًا أكثر خطورة، فلا يمكن الاستمرار في البقاء ضمن نطاق جغرافي يفقد الأمن والأمان، "حال السكان في رأس العين".

وسجل خلال الأيام الماضية حالات اعتقال يقوم بها المستعمرون تحت حماية قوات الاحتلال، لمواطنين عزّل من العوجا.

يقول غوانمة: "يأتي المستعمرون إلى حظائرنا ويلتقطون صورًا لبعض مواشينا ثم يغيبون عن الأنظار لعدة ساعات قبل عودتهم برفقة شرطة وجيش الاحتلال، والإدعاء أن الماشية التي بالصور لهم ليستولوا عليها بحماية الاحتلال، فقد سرق المستعمرون منذ بداية العام أكثر من 160 رأس غنم من مواشي المواطنين".

وفي الواقع، لم تكتف مجموعات صغيرة من المستعمرين بهذا القدر من المساحة، حتى صارت مشاهد المستعمرين وهم يقتحمون بأغنامهم تجمع رأس العوجا بالأغوار آخذة بالتكرار.

ويقول مواطن رفض الإفصاح عن اسمه، خشية ملاحقة المستعمرين له: "هذا كابوس، أنت تعيش تحت سقف من الاحتمالات السيئة".

المواطنون كلهم في التجمع يتحدثون بالنبرة ذاتها، "نبرة الخوف من اللحظة اللاحقة"، وحياة الناس كما وصفوها أصبحت بشكل دقيق "في الجحيم"، فالمستعمرون الذين ينتشرون في البؤر الاستيطانية الرعوية في الأغوار، متطرفون وإرهابيون إلى أبعد حد، ويدعون بشكل صريح إلى تهجير الفلسطينيين من مساكنهم ومراعيهم، على قاعدة "أين تصل أغنامي تلك حدودي".

ومشهد تجول المستعمرين بين خيام الفلسطينيين، وداخل حظائر مواشيهم صار معتادًا بشكل أكبر. 

ويوضح مليحات: "منذ بداية العام سجلت حوالي 300 اعتداء بحق المواطنين في التجمع، بين اقتحامات للتجمع وسرقة مواشي، ومنع من الرعي، ومنع من جلب المياه، مشيرًا إلى أنهم يضغطون عليهم باستمرار لترك الأرض لهم، يحاربون الوجود الفلسطيني في العوجا بالمهنة التي يعرفها".

على بعد مئات الأمتار من خيام المواطنين في رأس عين العوجا، تنساب مياه شلالات العوجا المعروفة لدى الجميع (أحد المزارات السياحية في الأغوار)، وهي المغذي الأساسي لعشرات العائلات الفلسطينية بالمياه، لكن مع التواجد شبه المستمر للمستعمرين عند ذلك المصدر المائي، صارت مهمة جلب المياه أكثر خطورة. 

حيث يقول غوانمة: "تمر أيام دون مقدرتنا على جلب مياه الشرب لأطفالنا ومواشينا".

ويحتاج الفلسطينيون في العوجا لتواجد مستمر لطواقم مؤسسات حقوق الإنسان؛ حتى يستطيعوا جلب المياه لهم ولمواشيهم.

وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني فإن عدد سكان العوجا في عام 2024، يقدّر بــ5877 فردًا، ومن المتوقع أن يصل بعد عامين لــ6085 فردًا.

وعقد مجلس الأمن الدولي، مؤخرًا، اجتماعه الربع سنوي بشأن تنفيذ القرار 2334، المؤرخ في 23 كانون الأول/ ديسمبر (2016) الذي طالب بإنهاء جميع الأنشطة الاستعمارية الإسرائيلية.

ورغم هذا القرار وغيره من القرارات الأممية والمواقف الدولية التي تؤكد أن الاستعمار الإسرائيلي في الأراضي المحتلة عام 1967 غير قانوني وعقبة أمام السلام وتطبيق حل الدولتين، ورغم العقوبات التي فرضتها عدة دول من بينها الولايات المتحدة الأميركية على عدد من المستعمرين الإرهابيين والمجموعات الاستعمارية، إلا أن حكومة الاحتلال تواصل دعمها ورعايتها للأنشطة الاستعمارية وتوفير الغطاء لإرهاب المستعمرين ضد المواطنين الفلسطينيين وممتلكاتهم في الضفة الغربية.