نعتقد حتى اليقين أن تعامل القيادة الفلسطينية الإيجابي مع قرار مجلس الأمن الأخير حول غزة، يهدف لتحرير أكثر من مليوني فلسطيني من جحيم الإبادة الجماعية الدموية، وإيقاف سفك  دماء المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وإيقاف عملية تدمير مبرمجة، رسمت خطتها سلفًا حكومة الصهيونية الدينية برئاسة رأس الليكود بنيامين نتنياهو وأركان جيشها لدى "دولة الإرهاب وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية" واتخذت من عملية حماس في 7 أكتوبر ذريعة غير مسبوقة للإجهاز على مظاهر الحياة في قطاع غزة، وفصله جغرافيًا وسكانيًا ومصيريًا عن الوطن، فالهدف الأول للقيادة من حراكها السياسي والدبلوماسي والقانوني في المحافل الدولية والإقليمية والعربية، الوصول إلى لحظة تثبيت إيقاف إطلاق النار نهائيًا، ومد ملايين المواطنين بأسباب الحياة من غذاء ودواء ومأوى، ورفع سيف التجويع والقهر والتهجير القسري من داخل القطاع إلى خارجه، والتهجير ما بين مناطقه ومحافظاته أيضًا، والأهم من كل ذلك، بعث بعض الأمل في نفس وروح وإرادة المواطن، حتى لا يفقد الأمل بإمكانية التحرر والاستقلال، والعيش بكرامة في كنف دولة مستقلة على جزء من وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين.

إن مواقف القيادة مرفوعة دائما على قاعدة المصالح العليا للشعب الفلسطيني، لكن البصيرة المشحونة بطاقة المعرفة والإدراك، والأحكام المستخلصة من التجارب المريرة مع منظومة الدول الاستعمارية عمومًا، والإدارات الأميركية المتتابعة خصوصًا، ترفع مستوى يقظتها، وتنبهها إلى الجوانب الخفية الكامنة في المقترحات والمبادرات والقرارات، فمقترح بايدن "الصفقة" الذي بات قرارًا صادرًا عن مجلس الأمن بعد تعديلات عليه طلبتها روسيا والصين والجزائر، يحمل في طياته خطرًا على كينونة المشروع الوطني الفلسطيني، وعلى مبدأ الحل على أساس دولتين، والتفافًا على قرارات الشرعية الدولية التي أقرت بمبدأ قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران سنة 1967 في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية باعتبارها العاصمة التاريخية، وقطاع غزة، فمقترح بايدن القرار يتعامل مع غزة ككيان منفصل جغرافيًا وسكانيًا، تحكمه سلطة حماس الانقلابية، فلو كانت الإدارة الأميركية جادة فعلاً في تطبيق "حل الدولتين" لكان واجبًا ربط الصفقة بين منظومة الاحتلال "إسرائيل وحماس" بالحل الشامل حسب الرؤية الوطنية الفلسطينية التي باتت محل اجماع دولي وعالمي، لتكون جوهر الرؤية الدولية لما يسمى "اليوم التالي".

لكننا شهدنا ترحيبًا من حماس "بمقترح القرار" لكن ليس بصيغة "المفرد"، وإنما بصيغة "المثنى" حيث أشركت ولأول مرة الجهاد الإسلامي في صلب الموقف المعلن، وبرزت تساؤلات عن سبب وأبعاد هذه الثنائية وتحديدًا الآن، أما الجواب بكل وضوح فهو أن رؤوس حماس يريدون الاتكاء على الجهاد لإسناد موقفهم بالتعامل مع المقترح الأميركي الموصوف على ألسنتهم بالإيجابي لتبرير أي تراجع عن مواقفهم السابقة التي تسبب تمترسهم فيها إلى رفع رقم قوائم أسماء الشهداء والجرحى والدمار في غزة عشرة أضعاف وأكثر منذ السابع من أكتوبر 2023، ولم يغفلوا عن تبهير الموقف الثنائي بإضافة أسماء فصائل، لتمرير الموافقة على القرار بأنها جاءت بقرار من الفصائل لكن صور إسماعيل هنية وزياد النخالة فقط أثناء مناقشة تفاصيل القرار على الورق والملتقطة بحرفية وبمقاصد محدد سلفا تكذب ادعاءات هنية وكلامه عن "المصلحة الوطنية" كمنطلق للتعامل مع مقترح بايدن، ونعتقد أن طهران تريد بث رسالة بأن طهران حاضرة مباشرة في صياغة موقف حماس عبر إشراك تنظيم الجهاد الإسلامي المتميز بعلاقته الخاصة مع إيران، وقد يبرر البعض هذه الثنائية لوجود أسرى إسرائيليين لدى الجهاد، وأن إتمام الصفقة وفق "المقترح القرار" يتطلب حتما موافقة "الجهاد الإسلامي" أيضًا، وليس وفق مبدأ: الكل بالكل، وإيقاف إطلاق نار تام، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة، ولا نغفل أن يكونا وراء بدائل تسعى تل أبيب وواشنطن لتسليمهم الحكم في قطاع غزة.

يهمنا أولاً وأخيرًا إنقاذ شعبنا في قطاع غزة، لأن العقل الوطني لا يفكر بمصلحة فئوية أو سلطوية أيا كانت مكاسبها، وإنما بالمصالح العليا للشعب، ويقرر بما يخدمه ويبث فيه الأمل بالحياة، وليس بدفعه إلى جحيم الموت العبثي والمجاني وتبرير الجريمة وتسويقها تحت يافطة التضحية من أجل الحرية كما قال خالد مشعل، وأن طوفان الدم الفلسطيني سيبعث اليقظة لدى العالم تجاه الحق الفلسطيني، كما قال إسماعيل هنية مرة، وكرره يحيى السنوار أول أمس، ولو كان في منظور رؤوس حماس مصلحة وطنية، لكان واجبًا عليهم رؤيتها خلال ثلاثين سنة مضت، واللجوء إلى سفينة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قبل "طوفان الدم".