منذ إعلان مدعي عام محكمة الجنايات الدولية كريم خان عن سعيه لاصدار مذكرة إعتقال لنتنياهو ووزير حربه نتيجة للحرب الدائرة في القطاع، ووتيقنه بأن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب قد ترتقي إلى جريمة الإبادة الجماعية، سارع مجلس النواب الأميركي إلى تمرير قانون لمجلس الشيوخ يفرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية. وقد صوت لصالح القرار 247 عضواً مقابل 155 اعترضوا. واللافت للنظر أن من بين المؤيدين 42 نائب ديمقراطي، وقد أدانت إدارة بايدن قرار كريم خان معتبرةً أن محكمة الجنايات الدولية لا يمكنها جلب قادة اسرائيل للمحاكمة. وبشكل متناقض، رحبت هذه الادارة قبل عدة أشهر بقرار المحكمة الجنائية الدولية جلب الرئيس الروسي بوتين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وهو ما يشير بشكل واضح إلى المعايير المزوجة للدبلوماسية الأميركية. وبرغم أن جميع التقديرات تشير إلى أن مجلس الشيوخ لن يقر مشروع قانون مجلس النواب حول فرض عقوبات على محكمة الجنايات الدولية لاسيما أن إدارة بايدن تعارض سن مثل هذه العقوبات، إلا أن مجرد استباق مجلس النواب لصدور مذكرة قرار بجلب نتنياهو وغالنت من قبل قضاة محكمة الجنايات الدولية يشير إلى صيغة تهديد وضغط على هؤلاء القضاء لمنعهم من استصدار مذكرة الاعتقال. ومن جانب أخر، يطرح تساؤلاً مشروعاً حول طبيعة الديمقراطية الأميركية في أهم صرح من صروح هذه الديمقراطية وهو مجلس النواب، فهل باتت هذه الديمقراطية مصصمة على المقاس الاسرائيلي وتسير تبعاً للمصالح الإسرائيلية؟

ليست هذه المرة الأولى منذ عدوان السابع من أكتوبر يتخذ فيها مجلس النواب الأميركي قرارات تعسفية بحقوق الإنسان وقيم الديمقراطية، فعند اندلاع إعتصامات الطلبة في الجامعات الأميركية سارع ها المجلس بتمرير قانون يمنع معاداة السامية في التعليم، وهو قانون موجه أساساً ضد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية، ويمكن إستخدامه في القضاء على حرية التعبير لدى الطلبة. في الواقع، إن العملية الديمقراطية في أي بلد يجب أن تصمم أساساً لحماية قيم الديمقراطية والحريات العامة، ولا يمكن تصور مخرجات أي عملية ديمقراطية تأتي لتعطيل منظومة العدالة الدولية أو أن تطعن بها، أو أن تشكك في قراراتها حتى وإن تم إنتاجها من خلال ممثلين عن الشعب انتخبوا بشكل ديمقراطي. وبالضرورة، لا يمكن فهم قرارات مجلس النواب الأميركي إلا بإعتبارها خروجاً عن مفهوم حماية حقوق الإنسان وإمعان في استمرار سياسة الابادة الجماعية التي تنتهجها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

وبرغم أننا جميعاً ندرك حجم الدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لإسرائيل باعتبارها حليفة استراتيجية لها، ولكننا بالمقابل لا يمكن أن نتفهم إصرار مجلس النواب على استصدار مشاريع قوانين لا تساهم في تحقيق العدالة الدولية وتمنع جرائم الحرب وتنتهك حقوق الإنسان وحرياته. وإذا ما تصورنا خروج مثل هذه القرارات من مجلس النواب الأميركي وهو مجلس تمثيلي منتخب، فلا يمكن إذن أن نعيب على قرارات وسياسات الحكومة النازية الهتلرية التي استندت جميعها إلى قرارات من البرلمان الألماني المنتخب. وبالنتيجة، فإن حرب السابع من اكتوبر تمثل تحديًا واضحًا لمنظومة الديمقراطية في الولايات المتحدة لإنها بإختصار تتنتج قوانين تعتبر عرقلة واضحة لمنظومة العدالة الدولية.