في مخيم النازحين في رفح الذي تعرّض لمجزرة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي، الليلة الماضية، كان مواطنون ينظرون بصدمة إلى بيوت الصفيح والخيام المتفحمة، والدمار وآثار الدماء.

وكانت طائرات الاحتلال، قد قصفت النازحين في مخيم نزوح أُنشئ حديثا قرب مخازن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في حي تل السلطان شمال غرب رفح، ما أسفر عن استشهاد 45 مواطنا، بينهم 23 من النساء والأطفال وكبار السن، وإصابة 249 آخرين، ويقع المخيم ضمن مناطق حددتها قوات الاحتلال مسبقًا على أنها آمنة، ودعت النازحين إلى التوجه إليها، ولم يصدر أي بيانات أو تحذيرات للنازحين وسكان المنطقة لإخلائها.

وقال الشاب محمد حمد (24 عامًا): "لم يصب الناس أو يقتلوا فحسب، بل تفحموا، مؤكدًا أن ابنة ابن عمه، طفلة لا تتجاوز 13 عامًا كانت بين الشهداء، لم تبق لها ملامح على الإطلاق لأن الشظايا فتتت رأسها". 

وتسبّبت الغارات الإسرائيلية في نشوب حريق في المخيم، ما أدّى إلى تحويل الخيام والملاجئ إلى رماد، وأظهرت لقطات نشرتها جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني مشاهد ليلية لمسعفين في سيارات إسعاف وهم يهرعون إلى موقع المجزرة ويقومون بإجلاء الجرحى، وبينهم أطفال، وكانت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية المسيرة أو "الزنانات" تحلّق الاثنين فوق المخيم المحترق الذي لم يبق منه سوى صفائح معدنية سوداء وألواح وأوتاد متفحمة. وبدت آثار دماء على بعض ألواح الصفيح.

وروى مواطن آخر قدّم نفسه باسم مهند شهد الحادث "عندما سمعنا صوت الانفجار، أضاءت السماء فجأة".

وقال أحد طواقم الإسعاف والإنقاذ عقب مشاركته في إخماد الحريق: "هناك جثامين متفحمة بفعل الحروق، ويوجد طفل مقطوع رأسه"، مشيرًا إلى أن مسببات الحريق "استخدام أسلحة تنتج عنها درجة حرارة تزيد عن سبعة آلاف درجة مئوية تصهر جسد الإنسان وتحرق الأخشاب المتواجدة في خيام وغرف النازحين"، مضيفًا أن "عمليات الإنقاذ انتهت الليلة الماضية، فيما استمرت جهود إخماد الحريق لمدة 45 دقيقة"، مشددًا على أن نقص الوقود وشح المياه جعلا مكافحة الحريق صعبة، مشيرًا إلى أن بين الإصابات "جرحى مبتوري الأطراف"، وبين الشهداء "أطفال ونساء وكبار في السن".

في عيادة تل السلطان في رفح، جُمعت الجثث، ورُسم سهم يشير الى المشرحة كتب عليه بالانجليزية "بلاك زون" (منطقة سوداء). وجلس رجال القرفصاء من مختلف الأعمار ينتحبون بصوت عال.

وقال أحدهم: "لم يكن لدي غيرها". بينما قال آخر أمام كفن آخر: "ليتني كنت معك يا أخي يا حبيبي". فيما قال رجل وهو يبكي: "جهزنا للطفل الجديد، ذهبت والطفل معها".

وكانت نساء في المكان يبكين ويعزين بعضهن البعض، في شاحنة صغيرة في الخارج، وضعت جثث فوق بعضها البعض.

وقال المواطن محمد حمد: "من ضمن المشاهد التي رأيتها أم قدمها مقطوعة تبحث عن أولادها، المشهد مؤلم لا يتخيله عقل معظم الشهداء أطفال ونساء ولا يوجد اي مستشفى برفح إلا المستشفيات الميدانية، مؤكدًا أن المشهد صعب، للمرة الأولى، يشاهد مجزرة بهذا الحجم، مقطعين وأشلاء ومحروقين، طوال الليل لم أستطع النوم من الكوابيس التي رافقتي"، لافتًا إلى أن المجزرة جاءت "بعد قرار محكمة العدل الدولية بوقف الحرب والعملية العسكرية في رفح، لكن ما الجدوى؟ كالعادة لا شيء يوقف إسرائيل".

وكانت قد أصدرت محكمة العدل الدولية، أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، أوامر، لإسرائيل القوة القائمة بالاحتلال بوقف فوري لعملياتها العسكرية في محافظة رفح، وضرورة المحافظة على فتح معبر رفح، لتمكين دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة.

ويقول المواطنون في المكان إنهم لجأوا إلى هذه المنطقة بعد أن طلب منهم جيش الاحتلال الإسرائيلي إخلاء منازلهم في أمكنة أخرى من رفح.

وقال المواطن أبو محمد النازح من شمال غزة قبل خمسة أشهر الى رفح: "ألقوا منشورات تطالبنا بالذهاب إلى المنطقة الإنسانية في تل السلطان، فامتثلنا وجئنا إلى هنا"، وبالأمس، بينما كنت أتناول العشاء، شعرت فجأة وكأنه زلزال، اهتزّت الأرض بعنف".

وقال المواطن محمد أبو قمر (27 عامًا) النازح من شمال قطاع غزة: "جئنا إلى المنطقة الآمنة كما ادعى الاحتلال، فتمّ قصف المكان الآمن بصواريخ حربية، واشتعل الحريق في المكان واحترق الأطفال والنساء والشيوخ، كلّ يوم في غزة، نعيش محرقة ومجزرة جديدة".

ومنذ 6 أيار/ مايو الجاري، تشن إسرائيل هجومًا بريًا على رفح، واحتلت في اليوم التالي الجانب الفلسطيني من معبر رفح البري، ومنعت تدفق المساعدات الإنسانية وخروج المرضى والجرحى لتلقي العلاج.

ويواصل الاحتلال الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة، برًا وبحرًا وجوًا، منذ السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما أسفر عن استشهاد 36050 مواطنًا، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، وإصابة 81026 آخرين، في حصيلة غير نهائية، إذ لا يزال آلاف الضحايا تحت الأنقاض.