أكدت أيام حرب الإبادة ال80 الماضية عن فشل القيادتين السياسية والعسكرية الأمنية الإسرائيلية والأميركية والأوروبية الغربية، حيث لم تتمكن الجيوش المشاركة بالحرب من تحقيق أي من الأهداف المعلنة، ومنها أولاً القضاء على أذرع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ ثانيًا الافراج عن أسرى الحرب الإسرائيليين؛ ثالثًا التهجير القسري للمواطنين الفلسطينيين الى مصر والأردن؛ رابعًا تحديد زمن الحرب المجنونة على القطاع؛ خامسًا اليوم التالي للحرب ومن يسيطر على محافظات غزة، الأمر الذي يكشف عن إفلاس واضح في المستويين العملياتي العسكري والأمني، وتخبط في المواقف، واتساع نطاق التناقض بين اركان حكومة الحرب الإسرائيلية، التي تتصاعد يوميًا وتمظهرت في التصريحات على وسائل الاعلام بين نتنياهو، رئيس الوزراء، تساحي هنغبي، مستشار الأمن القومي، وغالانت، وزير الحرب، وايتمار بن غفير، وزير الامن، وهليفي رئيس الأركان، فضلاً عن التناقضات المعلنة بين أقطاب المعارضة ورؤساء الحكومات السابقين أمثال ايهود باراك وايهود أولمرت وغيرهم  من رؤساء الأركان ومستشاري الامن القومي وقادة الأجهزة الأمنية السابقين مع اقطاب حكومة الحرب، وتحديدا مع بنيامين نتنياهو. 


وإذا عدنا للأهداف المعلنة للحرب من قبل الحكومة الإسرائيلية، واقتبسنا من بعض المراسلين الإعلاميين والعسكريين للصحف الإسرائيلية ومسؤولين آخرين، الذين أدلوا بآرائهم حولها، نجد أن ليف رام، الاعلامي الإسرائيلي كتب في صحيفة "معاريف" يوم الأربعاء (20/12) الماضي بأن "لا صحة للزعم الإسرائيلي أن الضغط العسكري يؤثر في اذرع المقاومة، ولا في قضية الاسرى الإسرائيليين، فهذا الضغط غير ملموس بتاتًا". وأضاف عما علق به عدد من المحللين العسكريين المتواطئين مع سياسة الحكومة حتى اليوم ال74 من حرب الإبادة، فقال: ما مفاده، إن قدرات المقاومة عالية، وفاجأت الجيش الإسرائيل، وأن أولئك المطبلين لخيار الحرب تعروا أمام ما يدور على أرض المعركة ونتائجها.


وأكد أن المناورة البرية العسكرية الإسرائيلية فشلت، حيث كانت موضع خلافات داخلية منذ أكثر من عقدين، وليس الان فقط في زمن الحرب الدائرة. ولعل أهم ما جرى تأكيده بشأنها ما بدر عن الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" والمدير الحالي لمعهد أبحاث الامن القومي الإسرائيلي، اللواء احتياط تمير هانمان، الذي أقر قبل أيام، بأن المعارك التي تتم وجها لوجه يتضاءل فيها التفوق النسبي للجيش الإسرائيلي في مواجهة مقاتلي المقاومة. 


وهذا يقر به أيضًا المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل، الذي كتب، أنه خلال الوجود الطويل في الميدان تصبح القوة العسكرية مكشوفة وعرضة للهجوم، وتحرم من التفوق النسبي الناجم عن التحركات بوتيرة عالية، ويسيطر الغموض على صورة القتال، ويؤكد كلاهما (رام وهرئيل)، وكذلك المحلل العسكري لصحيفة "معاريف"، طال ليف رام، والمحلل السياسي لصحيفة "يديعوت احرونوت"، نداف إيال، أن موضوع الانفاق الاستراتيجية كان من ابرز المفاجآت. وينقل الأخير على لسان أحد أعضاء كابينيت الحرب قوله، أنه لا توجد بعد إجابة قاطعة ونظرية قتالية للتعامل مع هذه الانفاق، وانه ما دام لا يوجد حل بعد، فنحن في معضلة. 


بالنتيجة العلمية ووفقًا لأبسط المعايير العسكرية، حتى لو لم يكن الإنسان خبيرًا عسكريًا بالمعنى الدقيق للكلمة، فإن الصورة الماثلة حتى اليوم ال80 من حرب الإبادة الصهيو أميركية، أكدت الشواهد الحية على الأرض ومنها: أولاً كانت عملية السابع من أكتوبر الماضي هزيمة واضحة من حيث المفاجأة، وبالنتائج التي نتجت عنها سياسيًا وعسكريًا وأمنيًا واقتصاديًا وعلى مختلف الصعد المتعلقة بالمشروع الصهيوني برمته؛ ثانيًا عدم تمكن الجيوش المشاركة في الحرب بقيادة الولايات المتحدة من نزع اظافر المقاومة حتى الآن، رغم موازين القوى المائلة بشكل غير منطقي الصالحها؛ ثالثًا مواصلة أذرع المقاومة بالقتال في مختلف المحاور حتى الآن بدءً من شمال القطاع إلى جنوبه، يكشف فشل تلك الجيوش؛ رابعًا عدم القدرة على تحديد زمن الحرب، ولهذا قامت إدارة بايدن برفض وقف الحرب حتى الآن، وعدم الاستجابة لضغوط الرأي العام الأميركي والعالمي، واطلاق يد حكومة الحرب الإسرائيلية باستمرار عمليات القتل والابادة للمدنيين؛ خامسًا الأهم تعمق التخبط والفوضى في الميدان العسكري وغياب رؤية واضحة لموجهة التحديات؛ سادسًا الارتفاع الكبير في خسائر الجيوش المشاركة في الحرب، والتي لم يعلن الا عن النذر اليسير من حجم الخسائر بسبب التعتيم الهائل على هذا الجانب؛ سابعًا الفشل في إطلاق رهينة واحدة من الأسر، وغياب أي محاكاة سياسية أو عسكرية للافراج عنهم؛ ثامنا غياب وحدة الموقف في المستويين السياسي والأمني والعسكري حول اليوم التالي للحرب، وكل منهم يغني على ليلاه، وغيرها من العوامل التي تؤكد فشل إسرائيل وسادتها في الغرب بقيادة واشنطن في إدارة حرب الإبادة الوحشية على قطاع غزة.