مازال العدوان الاسرائيلي المجنون يفعل أفاعيله في "مقتلة" غزة وفي الضفة أيضًا حيث الاستهداف للثلاثي المعروف ضد (البشر والحجر والشجر) لا يتوقف، وكأن اللعنة قد حلت على كل الكائنات حتى الجماد منها فداءً لشهوة الانتقام و"استرجاع الشرف" والتعصب "العرقي"، والخرافات الدينية، والثأر والكِبر المفضي أولًا وأخيرًا للدمار والخراب.


أكثر من ٧٧ يومًا حتى الآن ويختلط الأنين بالجوع، ويمتزج صدى الدعوات بالعطش وكثير من النظرات التائهة بترقب الفرح ورغيف الخبز! إلا أن الانتقام "للشرف المهدور" للجيش الإسرائيلي والحكومة الغافلة، ما يزال يقتص من اهتزاز صورته وعلى حساب آلاف المدنيين الأبرياء وفي مقدمتهم الأطفال.
رئيس الوزراء الإسرائيلي المسلح بترسانة أمريكا وبريطانيا وترسانته الحربية، وبعقيدته "التناخية" الإقصائية يقوم بعدوانه الثلاثي مكتفيًا بمثل هذا الدعم، فمن كانت وراءه أمريكا فليصمت كل العالم الذي لا يحرك مقدار أنملة في الأحداث.


حاولت النظر كثيرًا في مجريات العدوان الدائرة ضد فلسطين ومنها غزة من منظور الأهداف الخفية أو حقيقة الأهداف وراء هذه الاستشراس الفاشي غير المسبوق، فتوصلت إلى أن لدى القيادة الإسرائيلية بيمينها والأشد يمينية أهدافًا عميقة وتلك البينية أو الوسيطة، وأهدافًا معلنة هي بالحقيقة الأهداف التي تمثل القشرة للطبقيتين الأهم.
نحن هنا نضع الأهداف الحزبية والشخصية (خاصة لدى نتنياهو) جانبًا لأنها أصبحت معروفة وكتب فيها الكثير، وهي مترافقة مع كل الأهداف التالية. وعليه دعنا نطرق للأهداف من السطح أولًا:


1- الأهداف السطحية أوالمعلنة (أو القشرة ضمن الطبقات الثلاث) هي إعادة المخطوفين والتدمير العسكري لفصيل "حماس" أو نزع سلاحها و/أو قتل قياداتها، ومنعها من حكم غزة، وهذا الهدف السطحي "القشري-من القشرة" يخفي تحته حقيقة تخفيض مستوى الحوار واقتصار الحديث عالميًا ضمن الطبقة الدنيا من الكيان الفلسطيني (أي السلطة دونًا عن المنظمة أو الدولة) فقط. أي بالتركيز للأنظار على شكل ومسؤولية وضرورة أو رفض أو تعديل "السلطة" الحالية لتكون"مهيأة" أو "مجددة"، او "مشبّبة" في مقابل "الإدارة الذاتية" الفلسطينية أو العربية المطبعة او الدولية المؤقتة أو الإسرائيلية المقلصة في القطاع.
إن هذا التركيز والاقتصار بالحديث فقط حول السلطة/الحكم/اليوم التالي وحول "حماس" هو حرف لحقيقة الأهداف الجذرية لنتنياهو وزمرته كي لا ينتقل الحديث مطلقًا للطبقتين الثانية أو الثالثة من الأهداف، إنها حيلة سياسية بحرف الأنظار (تسليط وتركيز مقابل إضعاف وتهميش) كليًا عن الأهداف العميقة.


2- الطبقة الثانية أو الوسيطة من الأهداف هي المتعلقة فيما يحصل فعليًا بالضفة وغزة من قتل ممنهج وإبادة للناس وتهجير مقابل مزيد من الاستيطان وتكريس للدولة الإسرائيلية.
إن هدف القتل للفلسطينيين في غزة بشكل بشع هو للضغط على "حماس" لتتواضع مطالبها أولًا، وثانيًا وهو الأهم لجعل "مقتلة غزة" أمثولة لأولئك بالضفة من ذات الفعل بالتوازي أو التتالي مما يحصل لهم بمستوى أدنى لكن الأشد ينتظرهم.
إن هدف (غير معلن ولكن مطبق فعليًا) القضاء على الحياة الطبيعية وتدمير الأرض والممتلكات والأبناء يجعل فكرة (الحياة) في الأرض المحروقة (العصر الحجري) مستحيلة ما يعني تحقيق هدف التهجير قسرًا أو طوعًا عبر شعار "إلقاء غزة في البحر" الذي طال انتظار تحقيقه. وما يعني في رسالة غزة الواضحة هنا للضفة أن أرضكم هي "يهودا والسامرة" وأنتم الطارئين ومصيركم أيًا كان هو الى الجحيم.


3- إن الهدف الحقيقي الأكبر أو الهدف الأعمق من فعل الحرب العالمية القائمة اليوم على أشلاء فلسطين وجثث أبناء فلسطين في غزة بالحجم المحرقي (نسبة للمحرقة)، وبالقدر البتري (نسبة للبتر) في الضفة يعلن عن أن الهدف الأعظم هو التدمير النهائي للفكرة والثقافة والرواية وحقائق الأرض والتاريخ وكل منجزات فلسطين وثورتها، فهو يعلن التدمير النهائي لفكرة وهدف تحرير فلسطين القائمة تحت الاحتلال، إن كان بسيل التصريحات ذات الطابع العقدي التناخي أو بالمقتلة أو بالاستعمار/الاستيطان مما يؤدي لحالات من التثبيط اليومي للفلسطينيين عن ممارسة أي شكل من أشكال النضال، والثورة والمقاومة، وبالتمويه بحيث يتم نقل الهدف الى السطحي والإغراق فقط في "السلطة/الحكم/حماس" ما هو إدارة ذاتية محدودة تحت الاحتلال.
إن التدمير الكلي لفكرة الثورة والكفاح والمقاومة بأي شكل كانت -التي هي حق لكل الشعوب تحت الاحتلال- هو الهدف الأكبر، مادام أعادة التوجيه أو حرف الأنظار أو تسليط الضوء يتركز إعلاميًا وبالحوار العالمي حول الحل ما يتم على الأهداف السطحية لتخفي الهدف الأعظم.

وفي الهدف الأعظم تحقيق لحلم عناق الصهيونية والدينية الفاشية فيما لا يتوقف من عشرات السنوات من العمل على قتل الرواية والسردية الفلسطينية وتدمير أي منجزات، الى جوار القضاء على فكرة التحرر والاستقلال أوفكرة الدولة الفلسطينية أو فكرة فلسطين لكل مواطنيها فلا يبقى على الأرض الا فرضيات (ثم ما يريدها حقائق/وقائع) نتنياهو وزمرته اليمينية الإقصائية المتطرفة.