منذ يوم الاثنين 17 ديسمبر الماضي والمندوب الأميركي في مجلس الأمن الدولي وهو يسوف ويماطل بشأن التصويت على مشروع القرار العربي الجديد الذي طرحه ممثل الامارات، ويدعو لوقف فوري للحرب على قطاع غزة، وزيادة وتسريع دخول المساعدات الإنسانية لمحافظات الجنوب جميعها دون استثناء من المعابر المائية والبرية والجوية. ولجأت السفيرة الأميركية، ليندا توماس غرينفيلد إلى أساليب الابتزاز والضغط والترهيب، والمساومة الرخيصة مع ممثلي دول المجلس، وفرضت التأجيل تلو التأجيل، وانتجهت سياسة التسويف والمماطلة لإطالة امد الحرب، وإعطاء قواتها والقوات الإسرائيلية وقوات المرتزقة من الأوروبيين الضوء الأخضر لمواصلة حرب الإبادة ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، كما أن إدارة بايدن لم تكن معنية في هذه الجولة لاستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع القرار العربي الجديد، لأنها لا تود أن تضع نفسها في مواجهة العالم الذي أيد قرار وقف العدوان الإسرائيلي فورَا بتصويت 153 دولة لصالحه في الجمعية العمومية قبل عشرة أيام، مما يضعف مكانتها الدولية. رغم ذلك هددت الدول الأعضاء بأنها ستضطر لاستخدام الفيتو ضد المشروع الجديد، إن لم يستجيبوا لمطالبها بالتعديل. 


ووفق التقارير الإعلامية ومنها وكالة "فرانس برس"، أن غرينفيلد تمكنت من إدخال تعديلات أساسية على مشروع القرار، ومنها أولاً عدم استخدام نص "الوقف الفوري للحرب"، وأبقت أمد الحرب مفتوحًا على وسعه؛ ثانيًا استخدمت تعبير عائم مفاده "تهيئة الظروف لوقف دائم للاعمال العدائية، ثالثًا اعتراض أميركا على اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش بشأن تعيين منسق كبير للشؤون الإنسانية وإعادة الاعمار، لانشاء آلية تابعة للأمم المتحدة، لتسريع المساعدات لغزة، وسيتولى المنسق أيضًا مسؤولية التسهيل والمراقبة في غزة عند الاقتضاء. بيد أن أميركا طرحت "إنشاء آلية مراقبة لجميع شحنات الإغاثة الإنسانية إلى غزة، المقدمة عبر الطرق البرية والبحرية والجوية. وبحيث تتم عملية المراقبة من الجانب الإسرائيلي، رابعًا سعت ممثلة الإدارة الأميركية لاتهام حركة حماس ب"الإرهاب"، لكنها لم تنجح في إضافة مقترحها. 

وبعد تمكن مندوبة أميركا من تغيير جوهر القرار، وجردته من الدسم، وابقت باب حرب الإبادة واسعًا ومفتوحًا على مصاريعه، اعتبرت غرينفيلد بعد موافقة المجموعة العربية وغالبية الدول على التعديلات الأميركية، بان مشروع القرار مازال قويًا، ولم يضعف، من وجهة نظرها، وأن النص جيد وسيتيح تقديم المساعدات الإنسانية لمحتاجيها! 


لكن الحقيقة الناصعة كالثلج تشير، إلى أن مشروع القرار، لم يتضمن وقفًا فوريًا للحرب، ولا بتأمين ادخال واسع للمساعدات الإنسانية، وإبقائها تحت سطوة الجانب الإسرائيلي، وبالتالي لم يعد مشروع القرار قرارًا يستجيب لحاجات الشعب العربي الفلسطيني، ولا لأبسط حقوقه الإنسانية الغذائية والدوائية والطبية والتعليمية والوقود والكهرباء والماء، وتراجع المجموعة العربية لصالح التعديلات فيه رضوخ لمشيئة الولايات المتحدة، وانكفاء وتخلي عن استحقاق كسر دوامة الحرب الأساسي، وهو الوقف الفوري لها، وتأمين المساعدات الإنسانية والفورية وبكميات تستجيب لحاجات المواطنين وللمستشفيات والمراكز الصحية في الشمال والوسط والجنوب، ووقف عمليات التهجير القسري لابناء الشعب الفلسطيني. 


للأسف الشديد التساوق العربي مع إدارة بايدن المأزومة، والتي تعاني من حصار من داخلها، ومن أوساط المؤسسة التشريعية والرأي العام الأميركي، والرأي العام الدولي، ولادراكها، أن استخدامها لحق النقض الفيتو، لم يعد في صالحها، إنما عبئًا عليها، فجاء التناغم لإنقاذ ماء وجه الإدارة التي تقود دفة حرب الأرض المحروقة لليوم ال77، ويغطي وجهها القبيح والإجرامي. ولهذا أنصح دولة الامارات ان كان هناك متسع أمامها أن تسحب مشروع القرار، لأنه أُفرغ من محتواه، وبات المشروع الجديد سلاحًا في اليد الإسرائيلية الأميركية لإطالة أمد الحرب. وسحبه أفضل من التصويت عليه، لأنه بلا قيمة، ولا يحمل جديدًا إيجابيًا، بل هو أضعف ألف مرة من قرار الجمعية العامة يوم الثلاثاء 12/12 /2023، ولا داعي لرش السكر على أرواح الشهداء والجرحى الفلسطينيين، الذين قارب عددهم من ال75 ألف، فهذا أكرم وأشرف لأهل النظام الرسمي العربي.