هل بعثت قيادة المملكة العربية السعودية سفيرها في المملكة الأردنية الهاشمية نايف بن بندر السديري سفيرًا فوق العادة لدى دولة فلسطين وقنصلاً في القدس الشرقية، رسالة واضحة إلى من يعنيهم الأمر وتحديدًا الإدارة الأميركية وحكومة نتنياهو بأن مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله - التي أقرتها القمة العربية في بيروت في آذار / مارس من سنة 2002 وسميت "المبادرة العربية للسلام " مازالت وستبقى الناظم لسياسة المملكة فيما يخص الحق الفلسطيني (القضية الفلسطينية) ؟! خاصة أن المملكة قد قدمت مشروعًا للسلام قبل هذه القمة بعشرين عامًا، حمل اسم "مشروع الملك فهد بن عبد العزيز للسلام" وذلك في قمة فاس في المملكة المغربية سنة 1982 ليصبح بعد تبنيه رسميًا الأساس لمشروع عربي للسلام في مؤتمر مدريد سنة 1991. 


يمكننا القول – حسب تقديرنا - إن تقديم السفير أوراق اعتماده لرئيس دولة فلسطين سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن في هذا الوقت مرتبط بتفاصيل اللحظة الدولية التي يعيشها العالم، حيث بلغت المملكة باقتدار بلوغ موقع الدول الكبرى المؤثرة ليس بمحيطها في المنطقة والإقليم وحسب، بل على مستوى القضايا العالمية، بعد توفير المقومات الصلبة اللازمة كشرط لأخذ دور الكبار سياسيا واقتصاديا، فالمملكة العربية السعودية أصبحت رقمًا هامًا وصعبًا في المعادلات الدولية اليوم، بعد فرض رؤيتها لمعنى قرارها المستقل، رغم مصالح مشتركة تربطها مع دول كبرى على رأسها الولايات المتحدة الأميركية، ما يعني – حسب تقديراتنا – أن المملكة قد أصبحت ركنا لاغنى عنه في مجموعات دولية ذات وزن ثقيل ومؤثرة على مسارات السياسة والاقتصاد وحتى الأمن في العالم.

ولعلنا في هذا المقام يجب التذكير بقرار خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز بإطلاق مسمى قمة القدس، على مؤتمر القمة العربية في "الظهران" بالمملكة سنة 2018 كرد حاسم وصريح غيرقابل للتأويل على (صفقة القرن) التي اقترحها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وعلى قراره اعتبار (القدس الموحدة) بما فيها القدس الشرقية عاصمة لدولة منظومة الاحتلال الصهيوني (إسرائيل) ضاربًا عرض الحائط بقوانين وقرارات الشرعية الدولية، حيث ورد في البيان الختامي لقمة القدس تأكيد على "أن القدس الشرقية جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية، ورفض قرار الإدارة الأميركية المتعلق بها". 


نعتقد أن المملكة تتبنى الرواية التاريخية الفلسطينية، وتنتصر للثوابت الوطنية الفلسطينية، وأبدت الاحترام للقرار الوطني الفلسطيني المستقل، وبناء على ذلك انتصرت للحق الفلسطيني في المحافل العربية، والدولية بما فيها القانونية خصوصًا، حيث شددت على مركزية "القضية الفلسطينية" بالنسبة للدول العربية متوافقة بذلك مع رؤية القيادة الفلسطينية للحل في إطار عملية السلام المنبثقة عن البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومبادئ القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، وتمسكت المملكة بالمبادرة العربية للسلام على رأس المرجعيات الدولية للحل إلى جانب قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما يحقق قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود الرابع من حزيران سنة 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وقد ثبتت المملكة هذا الموقف قبل 4 أشهر من الآن في "إعلان جدة" في 19 مايو / أيار 2023، الصادر عن مؤتمر القمة العربية في مدينة جدة. 


هنا لابد من التذكير بأهم ما ورد نصا في المبادرة العربية للسلام حيث طالب رؤساء وملوك الدول العربية في قمة بيروت سنة 2002 إسرائيل بالقيام بما يلي: 


أ- الإنسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما في ذلك الجولان السوري وحتى خـط

الرابع من يونيو / حزيران ١٩٦٧ والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان..


ب- التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة 
للأمم المتحدة رقم 194


ج- قبول قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 4 يونيو67 في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعاصمتها القدس الشرقية. 


عندئذ تقوم الدول العربية بما يلي: 


أ- اعتبار النزاع العربي- الإسرائيلي منتهياً، والدخول في اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل مع تحقيق الأمن لجميع دول المنطقة. 


ب- إنشاء علاقات طبيعية مع إسرائيل في إطار هذا السلام الشامل.


نعتقد بأن خطوة قيادة المملكة التي تربطها رؤى سياسية استراتيجية مع القيادة الفلسطينية، مستمدة من طيبة وقوة جذور تاريخية، فالعروبة والانتماء لقيمها الإنسانية جذر مشترك للشعبين العربيين الفلسطيني والسعودي، أما التكامل في شرف الأمانة على الأماكن المقدسة في القدس (المسجد الأقصى) في فلسطين، وثاني القبلتين في مكة المكرمة والحرمين في المدينة المنورة في أرض المملكة العربية السعودية، فهي من المسؤولية بمكان، تجعلها حاضرة في أذهان صناع القرار، ومخططي الاستراتيجيات السياسية، وفي هذا المقام لا ننسى أن كثيرًا من المسلمين العرب ومن أقطار العالم يتممون مناسك الحج "بالتقديس" أي بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى قبل عودتهم إلى أوطانهم.