هناك نماذج كثيرة من بني البشر وفي أصقاع وقارات العالم المختلفة تستحق التكريم، وإبراز مآثرها وشجاعتها، ونبل مواقفها، وفروسيتها الوطنية والإنسانية لتكون عبرة للشعوب والأمم وأنصار السلام والعدالة السياسية والاجتماعية والقانونية، لتتعلم منها، وتستحضر مواقفها وشموخها الإنساني الأصيل.

ولكن تفوتنا أحيانًا الفرصة في التقاط كل تلك النماذج، أو نتاج تسارع وتطور الأحداث فتضيع من بين أصابعنا مواقف عظيمة لشخصيات من الجنسين ومن القوميات والأمم الممتدة على مساحة الكون، فتغيب مآثرها وإبداعاتها عن التوثيق والإبراز.

بيد أن تلك الرموز لا تموت، ولا تندثر إسهاماتها وبسالتها وعطاؤها. 


وفي أوساط شعوب وأمم وزعماء أميركا اللاتينية أبطال معلومون، قدموا صورًا قومية وأممية بطولية، وكان نصيب فلسطين وشعبها وقضيتها واسعًا، وعلى مساحة أميركا الجنوبية، التي ابتليت بأكثر من استعمار وحشي، أكثرها إيغالاً في الإرهاب والجريمة المنظمة، ونهب ثروات دولها، هي الولايات المتحدة الأميركية، ومنذ بداية القرن التاسع عشر، حيث حولت دول القارة إلى "جمهوريات الموز" التابعة ومسلوبة الإرادة من خلال فرض حكام موالين وعملاء لتنفيذ أجنداتها، ومن أبطال أميركا اللاتينية، الذين استحقوا عن جدارة مكانة الحلفاء الاستراتيجيين للشعب الفلسطيني وشعوب الأمة العربية، فيدل كاسترو وتشي جيفارا، وراؤول كاسترو وكل القيادة الكوبية، وهوغو تشافيز، رئيس فنزويلا الراحل، والرئيس الحالي مادورو، ورئيس نيكاراغو، أورتيغا وكل القادة الساندينيين، ورئيس تشيلي سلفادور أليندي، ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وغيرهم من الزعماء اللاتينيين، الذين تمثلوا روح الثورة والدفاع عن شعوب العالم لقناعاتهم الإنسانية بالعدالة، ورفض الظلم، الذي عانوا منه عقودًا لا بل قرونا. 


وهذه الأيام ارتقى بطل أميركي لاتيني صدارة المشهد في الدورة الـ(78) للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو الرئيس الكولومبي،غوستافو بيترو، الذي تمثل روح الكفاح التحرري العالمي في كلمته أمام المنبر الأممي الأهم يوم السبت الموافق 23 أيلول / سبتمبر الماضي، عندما رفض دعوة الدول الغربية بقيادة الإدارة الأميركية توريط شعوب ودول أميركا اللاتينية في حربها العالمية القذرة التي تقودها من أوكرانيا، والتي اكتوت بنيران وويلات استعمار الغرب البشع لها، وقال "تمت دعوة أميركا اللاتينية لارسال الأسلحة، بما في ذلك إرسال الناس إلى ساحة المعركة. لقد نسوا أن بلداننا تعرضت للغزو عدة مرات من قبل أولئك الذين يتحدثون اليوم عن مساعدات وإمداد بالأسلحة، ونسوا أنهم غزوا العراق وسوريا وليبيا بسبب النفط، لقد نسوا أنه يجب حماية فلسطين أيضًا لنفس الأسباب التي يقدمونها لحماية زيلنسكي".


وأضاف: "لقد نسوا أن من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة لا بد من وقف جميع الصراعات. لكنهم ساعدوا في إشعال واحدة من أخطر الصراعات العالمية راهنًا.

لأن ذلك كان في مصلحة القوى العالمية المنخرطة في لعبة العروش، ولأنه لم يكن من مصلحتهم وضع حد لذلك، وعمق رؤيته الإنسانية في فضح وتعرية الغرب الرأسمالي بقيادة اليانكي الأميركي بالقول، إن تلك الدول المتقدمة فشلت في الوفاء بتعهداتها المتعلقة بتمويل حماية البيئة والمناخ، موضحًا المفارقة الفاضحة لمراميهم وأكاذيبهم "ليس لديهم (100) مليار دولار لمنحها للدول الأخرى، وحمايتها من الفيضانات والأعاصير. لكن لديها المال لإمدادات السلاح وتأجيج الأزمة الأوكرانية"، وإشعال فتيل الحرب الكونية.


وأكد الرئيس بيترو بشجاعة في كلمته "مثلما يحمون أوكرانيا.. على الغرب حماية فلسطين".

وطالب بالكف عن ازدواجية المعايير، ودعا لعقد مؤتمرين للسلام، مؤتمر دولي من أجل فلسطين لوضع حد للاستعمار الإجلائي الاحلالي الاسرائيلي، وحل قضيتها وفق قرارات الشرعية الدولية، والآخر لمعالجة الأزمة الأوكرانية. كما دافع بحرارة وهمة إنسانية عالية عن قضايا الشعوب المظلومة والمنكوبة.