الجهل والأميّة لا تطلق على من لا يعرف القراءة والكتابة دائمًا، فهناك أناس يقرأون ويكتبون، ولكنهم يجهلون ما لا يعرفون، وهنا عادة يعترف الإنسان بعدم التحدث أو الإجابة على سؤال، أو التعليق على موقف لم يسمع به، أو لم يطلع عليه، ويجهل خلفياته، ومثل هذا الموقف يعظم دور المرء، ولا ينتقص منه، ولكن الفضيحة والمصيبة تكون أكبر وبشعة ومزرية عندما يقوم إنسان أو مجموعة من بني الإنسان بالحكم على موقف ما لإنسان آخر، او قرار لمؤسسة ما دون معرفة خلفيات الموقف أو القرار أو السياسة المتبناة، والعار الأكبر حين يتبنى نفر من البشر موقفًا تساوقيًا مع جهة سياسية أو ثقافية أو اقتصادية أو امنية لخدمة اغراضها، ومقابل رشوة، أو الحصول على الرضا، وهنا يكون الجهل والجريمة قد تجاوزا كل معايير الأمية والتخلف المعروف بين بني الإنسان.

والبيان الذي أصدرته مجموعة ممن يدعون أنهم مثقفون وأكاديميون وكتاب فلسطينيون أول أمس الإثنين الموافق 11 أيلول / سبتمبر الحالي (2023) ضد ما تضمنه خطاب سيادة الرئيس محمود عباس أمام الدورة ال(11) للمجلس الثوري لحركة "فتح" مساء يوم الخميس الموافق 24 آب/ أغسطس الماضي، الذي أكد فيه، على أن اليهود الصهاينة الموجودين في إسرائيل، لا يمتون بصلة للسامية. لأنهم يهود من قبيلة الخزر ذات الأصول التركية، والتي تهودت حديثًا في القرن الثامن الميلادي، وهي قبيلة طارئة وحديثة الانتماء للديانة اليهودية؛ ثانيًا الاختلاف في عدد اليهود، الذين قامت النازية الهتلرية بحرقهم، حيث أكد العشرات من الكتاب اليهود من قوميات مختلفة، أن عدد اليهود الذين أُحرقوا في أفران النازية لا يتجاوز الـ800 الف يهودي، وهناك بعض الكتاب يستخدم أرقامًا أعلى أو أقل. لكن لم يصل الرقم إلى ستة ملايين يهودي. وهذا لا يحمل إنكارًا للمحرقة، ولا تواطؤًا مع النازية، أو صمتًا على جريمتها ونازيتها، وإنما هناك رفض كامل وعميق للمحرقة بغض النظر عن عدد الضحايا اليهود من اتباع القوميات الألمانية والبولندية والأوروبية الأخرى؛ المحرقة لا تعود نهائيًا لانتمائهم وتبعيتهم للديانة اليهودية، وإنما لانتهاج قطاع من اتباع الديانة اليهودية سياسة الربا والسمسرة والتجارة بأرزاق الناس في الدول الأوروبية المختلفة. لأن الديانة اليهودية تعتبر ديانة سماوية، لا أحد يتنكر لها، أو يعادي أتباعها، لا بالعكس، فإن اتباع الديانة المسيحية، يصفون انفسهم وانجيلهم بـ"العهد الجديد"، أي باعتباره استمرارًا للعهد القديم، للديانة اليهودية، وبتعبير أكثر دقة، أن المسيحية بحد ذاتها تعتبر ثورة الإصلاح والتجديد للديانة اليهودية. كما أن اتباع الديانة الإسلامية لا يعادون اتباع الديانتين السماويتين، بل إن القرآن الكريم يعترف ويقر بهما، ويدعو أتباعها بالمؤمنين والمسلمين أيضا.

لكن تلك الثلة المارقة والأمية من إدعياء الثقافة والأكاديمية، والكتّاب الذين يستظلون بظلال الغرب الانكلوساكسوني والفرانكوفوني، وينهلون من ثقافة الغرب الاستعماري المشوه والمزور للتاريخ والحقائق الإنسانية، صاحب أكبر وأبشع محرقة ومجزرة في التاريخ الحديث المتمثلة بإقامة دولة إسرائيل اللقيطة والوظيفية لخدمة مشروعه الرأسمالي الاستعماري والديني في آن على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني عام 1948، وما زال هذا الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وعضوية دول أوروبا الشرقية والغربية وامتدادتها يروج لأكاذيب الحركة الصهيونية وشعاراتها وروايتها واساطيرها المزورة بما فيها كذبة "معاداة السامية"، وتبني مقولة أن "اليهود في إسرائيل، هم من اتباع العرق السامي". وهذا كذب وعار على الحقيقة والمنطق. لأن اليهود الاشكناز الذين بنوا إسرائيل بتعليمات ودعم واسناد وتسليح الغرب الرأسمالي، هم يهود الخزر، ولا علاقة لهم بالاسباط الإثني عشر.

وكتب عنهم العديد من الكتاب اليهود من قوميات مختلفة، منهم آرثر كستلر صاحب كتاب "القبيلة الـ13" وشلومو ساند صاحب كتاب "لا وجود للشعب اليهودي" وغيرهما لا تحضرني أسماؤهم في هذه العجالة. وبالتالي إتهام ادعياء الثقافة والأكاديمية سيادة الرئيس محمود عباس بما ليس فيه، وتطاولهم على حقائق التاريخ يعكس جهلهم واميتهم وفقر حالهم الفكري والسياسي والتاريخي، وابتذالهم ورخص آدميتهم، وبيع أنفسهم في سوق النخاسة والارتزاق لأجهزة الأمن الإسرائيلية والغربية الأميركية والأوروبية، وعارهم المخزي والبشع، وانكشاف قناعهم الزائف، وثقافتهم الضحلة والآسنة والمأجورة.

وأخلص إلى استنتاج قديم جديد، ليس كل من ادعى الثقافة، هو مثقف، وليس كل من افترض نفسه أكاديميًا يفقه في الثقافة والمعرفة، وليس كل كاتب، هو كاتب مبدع، ومنتج للمعرفة. بل قد يكون كاتبًا مأجورًا، أو متهافتًا ولصًا من لصوص الثقافة، وينضح من وعاء الثقافة الصفراء والظلامية.

والنتيجة الأهم، على كل كاتب ومثقف وأكاديمي وسياسي وطني وقومي وديمقراطي، ألا يخشى بلطجة إسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا، وعليهم جميعًا الدفاع عن حقائق التاريخ دون وجل أو تردد وبالوقائع الدامغة والأسانيد العلمية، ولا يجوز التردد في الدفاع عن الحقيقة، وفضح طبيعة إسرائيل الخزرية اللاسامية. ويرفضون سياسة تكميم الافواه، ويتصدون لعملية التجهيل المقصودة. لأن الغرب الامبريالي يدافع بدفاعه عن إسرائيل، عن ذاته، عن جريمة العصر التي ارتكبها ضد العرب عمومًا والشعب االفلسطيني خصوصًا.