اعترضت مفرزة من رجال الشرطة الإسرائيلية مجموعةً من تلاميذ المدارس من مدينة القدس العربية، في اليوم الأول للعام الدراسي هذا العام، وفتشت حقائبهم المدرسية وصادرت بعض الكتب منها.

قد يكون هذا الخبر هامشيًا وثانويًا في زحمة الأخبار الخارجة من مخيمات جنين ونابلس وأريحا وعدد الشبان الذين ارتَقَوا إلى السماء، أو من الأخبار التي تروى عن عدد قتلانا وجرحانا من مدينة رهط إلى قرية طوبا، أو عن الأنباء التي تحكي ملخص الفصل ما قبل الأخير من مسلسل التطبيع السعودي الأميركي من تأليف وإخراج الخالة أميركا، وقد يكون فصلاً ساخنًا من المسلسل الدرامي عن الصراع الإسرائيلي الإسرائيلي فيما يحدث في شارع صلاح الدين في المعركة على الديمقراطية أو على مساحة الأراضي الفلسطينية المرشحة للضم.

تملك دولة إسرائيل، كما يعلم الجميع، أقوى جيش في الشرق الأوسط، وتملك أحدث سلاح طيران أيضًا، وتملك مفاعل ديمونا، وتتفوق في العلوم والصناعة والهايتك، وهي دولة ذات اقتصاد قوي متين وإعلامٍ متطور ومعاهد علمية بارزة مثل: التخنيون، ومعهد وايزمن والجامعة العبرية، وهي أيضًا، ويا للعجب، تعترض مجموعة من التلاميذ العرب المقدسيين في صباح اليوم الدراسي الأول وتصادر بعض كتبهم.

لا يعقل أن تكون هذه الكتب من بقايا المواد التي حملها الإسرائيليون من المخازن السرية للمفاعل الذري الإيراني،  ولا من أسرار حقيبة بحار فلسطيني اجتاز مضيق هُرمز فباب المندب وخطف رجله في غفوة عين الرادار الإسرائيلي، ولا فصل من يوميات العاروري أو السنوار!

وهذا ما يحير قارئ الخبر عن مصادرة كتب وقراطيس التلامذة المقدسيين، فتعالوا معي نتخيل التلميذة السمراء لينا ابنة التاسعة ذات الشعر الأسود الطويل والعينين السوداوين والغمازة على وجنتها اليسرى وهي تنظر إلى الشرطي الذي صادر كتب العربية والتاريخ والجغرافيا من حقيبتها وتعترض بجرأة وإباء على عمله وتدافع عن كتبها الثمينة التي اشتراها لها والداها من مالهما الحلال الزلال، وتعالوا أيضًا نستمع إلى التلميذ عدنان وهو يحتج على الشرطي الذي صادر كتاب الدين وكتاب العلوم ويقول له بحزمٍ: لا تأخذها هذه كتبي! وتعالوا نُصغِ إلى ما تقوله سميرة الأمورة التي صادر العسكري دفتر رسمها وكتاب الأدب وكتاب العلوم: يا عسكري، أمي اشترت هذه الكتب ودفعت ثمنها وسوف أدرس فيها فهل تسلبني اياها من أجل أولادك؟

شرطة الوزير الحضاري جدًا تصادر الكتب من التلاميذ المقدسيين وتسرق منهم فرحة اليوم الأول للعام الدراسي لأن العلم الفلسطيني يطل من أغلفة هذه الكتب ومن صفحاتها ومن حروفها معتقدةً أنها تصادر الحق الفلسطيني والحلم الفلسطيني والوجود الفلسطيني ولكن هيهات هيهات، فبن غفير لا يدري أن التلاميذ سوف يرسمون بأقلامهم الملونة في اليوم نفسه مئات الأعلام الفلسطينية على كراريسهم وفي قلوبهم.

هذا الخبر ذكرني بقصتي القصيرة "العلم" التي صدرت في مجموعتي القصصية "وردة لعيني حفيظة" في عام 1983 كما صدرت في هذا العام مترجمة إلى العبرية في مجموعة "وزارة المسخوطين" عن معهد فان لير في القدس ونشرتها جريدة "هآرتس" في ملحقها الأدبي في الفاتح من حزيران وأرسل لي محررها السيد ألوف بن رسالة إعجاب بها والتي أعلمتني قبل أيامٍ باحثة ومترجمة إيطالية أنها تقوم بترجمتها ونشرها في صحيفة إيطالية معروفة.

لن أقول: "كأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا" لأن التاريخ لن يعود إلى الوراء يا أغبياء!