بقلم: يامن نوباني 

قبل عامين، فجر السادس من أيلول 2021، هز الأبطال الأسرى الستة: محمود العارضة، ومحمد العارضة، وزكريا الزبيدي، وأيهم كممجي، ومناضل انفيعات، ويعقوب قادري، أكثر سجون الاحتلال تحصينًا وحراسةً "سجن جلبوع".

في الـ "1:49" من فجر الإثنين، خرج الأبطال الستة من فوهة النفق، الذي حفروه أسفل برج عسكري لمراقبة الأسرى والسجن، حيث لم يلحظهم أحد، فالحارسة المناوبة كانت قد دخلت في "غفوة"، بينما لم ينتبه مراقب الشاشات إلى خروجهم، وكذلك الكلاب التي لم تنبح ليلتها!.

لا دوريات الحراسة التي تدور حول الأسوار بشكل متواصل، ولا الأسوار الإسمنتية الضخمة المحيطة بالسجن كاملاً، ولا كشافات الإضاءة التي تحيل المكان والمحيط إلى نهار دائم، ولا الإرتباك مرة.. حين جاء السَّجان لإيصال رسالة إلى مناضل، فردّ عليه محمود: مناضل تعبان ونايم! قبل أن يعيد السجان مناداته، ليرد محمود مجدداً، بحنكة القائد والخبير في الملامح وانتقاء الأجوبة، ثم يتسلم الرسالة بينما مناضل يحفر سنتميترات أخرى في العتمة!.

لا التكنولوجيا والأجهزة المتطورة "أجهزة إنذار وحساسات وكاميرات واتصالات"، ولا العنصر البشري "السجان، والشرطة، والجيش"، ولا حتى العنصر الحيواني "الكلاب البوليسية"، استطاعوا مجتمعين أن يمنعوا أول يد من أن تمتد خارج النفق، ليكمل الجسد كاملاً زحفه نحو الحرية، ولو مؤقتًا.

أعيد اعتقالهم جميعاً بعد عدة أيام، أولهم كان محمد العارضة ويعقوب قادري، بعد خمسة أيام، وبعد ذلك بيوم واحد أعيد اعتقال محمود العارضة وزكريا الزبيدي، فيما تمكن أيهم كممجي ومناضل انفيعات من تنسم هواء الحرية لـ13 يومًا قبل اعتقالهما.

الستة، منذ لحظة مشيهم على الأرض، أخذوا يتفقدون البلاد، يتجولون في السهول والجبال والأودية الممتدة من الناصرة وبيسان إلى جنين، يجوبون مرج ابن عامر، يلتقطون حبة رمان، أو كوز صبر، يتذوقون السماق والزعرور والتين والعنب، يشاهدون عرسًا فلسطينيًا من بعيد، ويتعرفون إلى عش حمام بري.

وكل ذلك كان لأول مرة بعد 25 عاماً بالنسبة إلى محمود العارضة، ولأول مرة بعد 20 عاماً ليعقوب قادري ومحمد العارضة.

خرجوا من تحت الأرض، ليعلنوا للعالم أن قضية الأسرى لن تموت، وأن تغييبهم لسنوات طويلة في الظلمات والزنازين له نهار سيطلع.

تسعة أشهر من الحفر بالإرادة، بما توفر من قطع حديدية بسيطة للغاية لا نستخدمها في حياتنا العامة، ولا حتى لعمل حفرة بعمق 5 سنتيمترات، فيما كان تصريف التراب الذي يستخرجونه الأعقد، لكنهم في النهاية تمكنوا من تدبيره بوساطة جيبوهم إلى دورة المياه والأنابيب، التي سُدت في بعض الأحيان، الأمر الذي كاد يكشفهم.

تسعة أشهر وهم يغوصون تحت الأرض وصولاً إلى مساحة 25 مترًا، دون أوكسجين، دون إضاءة، دون أن يكون هناك كما في ورش البناء من يدعوك لتستريح قليلاً أو يصنع لك فنجان قهوة، ودون أن يكون بانتظارك كوب ماء بارد، وحمام ساخن.

كل هذه البطولة كانت تجري أسفل بلاطة مساحتها 60 سم، تحت مغسلة حمام غرفة رقم (2) في قسم رقم (5) من سجن "جلبوع" الذي افتُتح عام 2004 بإشراف خبراء إيرلنديين جيء بهم خصيصًا لبناء هذه القلعة الحصينة.

هنا، تعريف مختصر بالأسرى الستة وأحكامهم: محمود العارضة (47 عامًا) من عرابة جنوب جنين، والمحكوم بالسجن مؤبدا و15 عاما، أمضى في سجون الاحتلال (29 عاماً ونصف العام)، وقد سبق أن اعتُقل لـ3 أعوام ونصف العام عام 1992، ويعقوب قادري (50 عامًا) من بير الباشا جنوب جنين، والمحكوم بمؤبدين و35 عاما، وأمضى في سجون الاحتلال 20 عاماً، وأيهم كممجي (36 عاما) من كفر دان غرب جنين، والمحكوم بمؤبدين، أمضى في سجون الاحتلال 17 عاماً، ومناضل انفيعات (27 عامًا) من يعبد (موقوف منذ 3 سنوات)، ومحمد العارضة (40 عامًا) من عرابة جنوب جنين، والمحكوم بثلاثة مؤبدات و20 عامًا، وأمضى في سجون الاحتلال 20 عاما ونصف العام، وزكريا الزبيدي (46 عامًا) من مخيم جنين، موقوف منذ 3 سنوات، وأمضى في سجون الاحتلال 8 سنوات.

محكمة الاحتلال وبعد عدة جلسات، أضافت إلى كل أسير من الأسرى الستة، حكماً بالسجن مدة 5 سنوات، وغرامة مالية قيمتها 2000 شيقل.

كما فرضت على الأسرى الـ5 المساعدين حكمًا بالسجن لمدة 4 سنوات إضافية، وغرامة مالية قيمتها 2000 شيقل، وهم: محمود شريم، وقصي مرعي، وعلي أبو بكر، ومحمد أبو بكر، وإياد جرادات.

وإلى جانب كل ما نفذه الاحتلال من نهج انتقامي بحقهم، فخلال العام الماضي، فقد الأسير أيهم كممجي شقيقه شأس كمججي، الذي ارتقى شهيدًا برصاص الاحتلال، كذلك استُشهد داود الزبيدي وهو أحد شهداء الحركة الأسيرة المحتجزة جثامينهم، وهو شقيق الأسير زكريا الزبيدي، كما فقد الأسير يعقوب قادري والدته.

كما فقد الأسير محمود أبو شريم شقيقه يوسف الذي ارتقى في شهر آذار 2023، وحرمهم الاحتلال من وداعهم، كما حرم آلاف الأسرى على مدار عقود من وداع أحبتهم.