إيهاب الريماوي

في الحادي والثلاثين من الشهر الماضي، فقد المواطن حامد أبو نعيم من قرية المغيّر شرق رام الله، عينه اليسرى جراء إصابته بقنبلة غاز في عينه، خلال اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي للقرية.

يقول أبو نعيم الذي لديه أربعة أبناء ويعمل مقاولا في البناء: "خرجت في الصباح لجمع العمال والتوجه إلى ورشة البناء التي نعمل بها، وتفاجأت بوجود قوات الاحتلال في طريقي وسط البلد، ومنعوني من التقدم، ولدى محاولتي العودة إذ بقوة أخرى خلفي ومنعتني أيضا من المرور، لأصبح محاصرا بينهما".

ويضيف: "لدى خروجي من المركبة، أطلق الجنود قنابل الغاز السام نحوي، إحداها أصابت عيني مباشرة، وتسببت بتفتيت الحاجب وفقدان عيني اليسرى، وكسور في الوجه، وبتّ اليوم أحتاج إلى عدة عمليات جراحية تجميلية".

أبو نعيم، هو المواطن الخامس الذي يفقد عينه نتيجة استهدافه من قبل الاحتلال منذ بداية العام الجاري، في حين وثقت وزارة الصحة إصابة 25 مواطنا في منطقة العين خلال العام الماضي، منهم من فقد إحداهما بشكل دائم، أو تم علاجها، غير أن هناك عشرات الإصابات قد وقعت وتم علاجها ميدانيا دون التوجه إلى المستشفيات.

"بابا بدي عيني"

قبل نحو شهر من إصابة أبو نعيم، فقد الطفل خالد ملالحة (5 سنوات) من بلدة بزاريا شمال غرب نابلس عينه، نتيجة إصابته برصاصة معدنية مغلفة بالمطاط، اضطر الأطباء إلى إزالتها ووضع زجاجة بيضاء مكانها.

أصيب الطفل ملالحة بينما كان في مركبة والده عند مدخل البلدة الذي كان يشهد تواجدا لجيش الاحتلال دون مواجهات تذكر، أطلقوا نحوهما الرصاص المعدني المغلف بالمطاط اخترقت إحداها عينه اليسرى، وتسبب بنزيف حاد، نقل على إثرها إلى إحدى مستشفيات نابلس، وتم تحويله لخطورة حالته إلى مستشفى بالقدس المحتلة، ثم إلى مستشفى داخل أراضي الـ48 وهناك خضع لعدة عمليات جراحية، بينما ما زال يحتاج إلى عملية تجميلية لعينه.

يبدي والده حزنه على وضع طفله، الذي أصبح يعاني من حالة نفسية صعبة نتيجة إصابته، لا سيما أن الأطفال المحيطين به يبتعدون عنه ولا يرغبون باللهو معه، بسبب التشوه الذي أصاب منطقة الإصابة.

يقول والده: "أحاول أن أشغله في أمور أخرى غير التفكير بعينه التي فقدها، إلا أنه في معظم الأيام يطلب مني عينه التي فقدها، لا أعرف ماذا أقول له، نحن في وضع عائلي صعب جدا".

وذكرت الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال في تقرير لها صدر في الخامس والعشرين من الشهر الماضي، أن جنود الاحتلال يتعمدون استهداف المدنيين الفلسطينيين وبينهم الأطفال، من مسافة قريبة، وصوب الأجزاء العليا من الجسد، بهدف قتلهم أو التسبب بإعاقات دائمة لهم، مستغلين الحماية من المساءلة ضمن سياسة الإفلات من العقاب التي توفرها حكومة الاحتلال لهم، علما أن هذه الجرائم ترتقي إلى مستوى جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية.

ووثقت "الحركة العالمية"، إلى جانب الطفل خالد ملالحة، طفلين آخرين فقدا أعينهما منذ بداية العام الجاري نتيجة استهدافهما من قبل قوات الاحتلال، فالطفل أشرف محمود فراحتي (16 عاما) من مدينة جنين، خسر عينه اليمنى بعد إصابته بالرصاص في السادس عشر من شهر آذار/مارس الماضي، خلال  اقتحام الاحتلال شارع أبو بكر وسط المدينة في ساعة الذروة، حيث أصيب أثناء اختبائه خلف مركبة في موقع الحدث، واستقرت شظايا الرصاصة في جذع دماغه، وبسبب خطورة وضعه الصحي نقل إلى إحدى مستشفيات رام الله، حيث مكث 65 يوما، منها 20 يوما في العناية المكثفة، لم تتمكن الطواقم الطبية خلالها من التدخل جراحيا لإزالة الشظايا بسبب خطورة موقعها، ونقل بعدها إلى جمعية بيت لحم العربية للتأهيل، بسبب فقدانه الحركة بشكل كامل، وهو يتغذى بوساطة أنبوب.

وفي الثلاثين من شهر نيسان/أبريل فقد الطفل عمر عاصي (17 عاما) من بلدة قراوة بني حسان غرب سلفيت، عينه اليمنى إثر إطلاق الاحتلال قنبلة صوت تجاهه من مسافة قريبة جدا.

ويقول والده طلال عاصي في تصريح سابق لـ"وفا"، إن المواجهات كانت تبعد عن المنزل مسافة لا تزيد على 300 متر، وكان عمر في المكان، وحينما بدأ إطلاق النار اختبأ في مدرسة البلدة، ومن ثم قام أحد الجنود برمي قنبلة صوت تجاهه وتطايرت الشظايا وأصابت منطقة العينين إصابة بليغة.

وفي الثاني من شهر كانون ثاني/يناير العام الجاري فقد المواطن عبد الله مسعود رواجبة من بلدة عصيرة الشمالية بمحافظة نابلس عينه، إثر استهدافه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال تواجده في جنين، حيث يعمل.

فقدت عيني.. وفقدت رزقي

كان ورّاد فهيم (56 عاما) من قرية أوصرين جنوب شرق نابلس في زيارة عائلية لشقيقه وسط البلدة في السابع عشر من أيلول/ سبتمبر 2018، عندما اندلعت مواجهات في المكان، وما أن أطل برأسه من نافذة المنزل حتى أطلق جندي إسرائيلي رصاصة معدنية مغلفة بالمطاط اتجاهه مباشرة، أصابت رأسه، وأفقدته عينه اليسرى.

ويقول فهيم: "فقدت الوعي نتيجة الإصابة، كما أمطر الجنود المنزل بقنابل الغاز السام الذي تعرض كل من فيه للاختناق، وبالكاد تمكنوا من إخراجي من المنزل حيث كنت أنزف بشدة".

ويضيف: "نقلت إلى العناية المكثفة في مستشفى رفيديا ثم إلى مستشفى النجاح الوطني، وخضعت لعملية جراحية من أجل استخراج الرصاصة المطاطية من عيني التي فقدتها تماما".

ويؤكد، أنه ما زال يعاني من آثار الإصابة حتى اليوم، حتى أنه لم يعد يقدر على العمل كما في السابق، حيث كان يعمل في مجال البناء، واليوم لديه "مقصفا" في مدرسة أوصرين.

في طريقه للعمل.. فقد عينه اليسرى

تفاجأ بلال حمايل (26 عاما) من بلدة بيتا جنوب نابلس المعتقل في سجون الاحتلال منذ شهر تشرين ثاني/نوفمبر الماضي، خلال توجهه إلى العمل في محطة للوقود، فجر الحادي عشر من نيسان/أبريل 2022، بجيش الاحتلال يقتحم البلدة، وأطلقوا عليه الرصاص المعدني من مسافة لا تزيد عن 20 مترا، أصابت إحداها عينه اليسرى.

يقول والده جهاد حمايل، إن الأطباء استأصلوا عينه ووضعوا عدسة زجاجية مكانها، ونتيجة الإصابة تفتت الحاجب، ووضع البلاتين، كما أصيب بالتهاب في جدار الدماغ.

ويشير إلى أن بلال ما زال بحاجة إلى متابعة علاجه، إلا أن اعتقاله حرمه من استكماله.

بلال هو واحد من ستة شبان فقدوا عيونهم بين عامي 2021 و2022 في بلدة بيتا، فالطفل ريان علاء عديلي الذي لم يتجاوز (12 عاما) فقد عينه اليسرى، إثر انفجار جسم من مخلّفات الاحتلال على "جبل صبيح"، والشاب فايز حامد بني مفلح (20 عاما)، فقد عينه اليمنى بعد أن استهدفه جنديّ إسرائيليّ برصاصة معدنيّة مغلّفة بالمطاط، كما فقد الشاب علاء عواد حمايل (27 عاما) عينه هو الآخر في المواجهات مع الاحتلال، إضافة إلى جهاد طلال أبو زيتون (42 عاما) وابن أخيه محمد أكرم أبو زيتون (17 عاما).

استهداف العيون.. يرتقي لجريمة حرب

يؤكد وزير العدل محمد الشلالدة، أن إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال على المنطقة العلوية من الجسد وخاصة منطقة العين يعتبر انتهاكا صارخا لمبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنساني، والذي تنعقد عليه المسؤولية الجنائية الفردية الشخصية، والمسؤولية المدنية.

وشدد على ضرورة مساءلة ومحاسبة مرتكبي هذه الجرائم وفق النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لافتا إلى أن عدم مساءلة ومحاسبة جنود وضباط الاحتلال، والمستوطنين، يشجع على ارتكاب المزيد من الجرائم ضد السكان المدنيين.

 وتابع الشلالدة: "لا بد من المساءلة والمحاسبة أمام القضاء الوطني والإقليمي والدولي الجنائي ممثلا بالمحكمة الجنائية الدولية من خلال المنصة الالكترونية التي أنشأتها المحكمة الجنائية الدولية لتقديم كافة الشكاوى المثبتة والمعززة بالأدلة والاثبات الجنائية لتحميل مرتكبي الجرائم المسؤولية الجنائية الفردية الشخصية".

المصابون بحاجة إلى دعم نفسي واجتماعي

وفق رئيسة وحدة الصحة النفسية في وزارة الصحة سماح جبر، فإن فقدان الشخص لعينه نتيجة إصابته برصاص الاحتلال يترك أثرا كبيرا على المصاب، بالذات إذا كان إنسانا بالغا ومعتادا على حياته وهو مبصر.

ولفتت إلى أن هذا حدث صادم للمصاب، ويشكل إعاقة كبيرة على حركته وطريقة حياته وعلاقته مع الآخرين، فإذا فقد عين واحدة فإنه يتطلب الكثير من التكيف، ففقدان العين لا يترك آثارا مادية فقط، بل حالة نفسية له تبعات طويلة بعد إصابته.

وتشير جبر، إلى أن المصاب بحاجة إلى مساعدة نفسية وطبية حتى يتكيف مع وضعه الجديد، إلى جانب الدعم الاجتماعي من المحيطين منه، من خلال مساعدتهم على إيجاد طريقة تشغل وقتهم رغم الإعاقة الكبيرة الجسدية والنفسية التي لحقتهم.