ناقشت ندوة اليوم السّابع الثّقافيّة الأسبوعيّة المقدسيّة رواية" سبيطة- الأيّام قبل الأخيرة" للأديب المقدسي​ عبدالله دعيس، وتقع الرّواية الصّادرة عام 2023 عن مكتبة كل شيء في حيفا في 242 صفحة من الحجم المتوسّط، وهي من اخراج وتوضيب شربل الياس.

افتتحت الأمسية مديرة النّدوة ديمة جمعة السمان فقالت:

رواية "سبيطة" للروائي عبد الله دعيس تحرّك المياه الراكدة في نفس كل من يقرأها، فتصعد إلى سطحها مخلفات بعض الأنظمة البائسة، التي تقتل شعوبها قهرا وحسرة على أوضاعهم الأليمة، التي صمّموها بأياد شيطانيّة، ليعتلوا ظهور شعوبهم البسيطة الآمنة، الذين سلبوهم أمنهم وأبسط حقوقهم الإنسانيّة، وعلى رأسها كرامتهم متمثّلة بالحريّة التي تضمن لهم العيش الكريم. انتهكوا حقوق شعوبهم ليحققوا مصالحهم الدّنيويّة بدعم من أذنابهم ممن رضوا على أنفسهم المذلّة والمهانة والخنوع والخضوع.

رواية "سبيطة" هي أكثر من رواية، هي ملحمة شملت تقييم الماضي ووصف الحاضر مستشرفة المستقبل، جمعها الكاتب دعيس بين غلافي كتاب ضم 242 صفحة من القطع المتوسط، صدرت عن مكتبة كل شيء الحيفاوية.

من يقرأ التاريخ قراءة مستفيضة، ويعيش الحاضر بكل ما فيه من تفاصيل، لا يعجز عن رؤية ما ستؤول به الأيام في المستقبل القريب، خاصة إن كانت المعطيات ثابتة لا تتغير ولا تتبدل.

فلا زالت النفوس المريضة جوعى للمناصب، ولا زال المسؤول يتمسك بكرسيه، رافضا التخلي عنه ضاربا بعرض الحائط "القسم" الذي أدّاه، والعهد الذي أخذه على نفسه، والوعود التي وعدها لشعبه قبل أن يولّى حاكما عليهم لخدمتهم، على أمل أن يكون أمينا على مصالحهم، يوفّر لهم حياة كريمة هانئة، في ظل وضع آمن وفكر حرّ.

وتثور الشّعوب، رافضة الظّلم والاستبداد.. ويسقط النّظام؛ ليأتي حاكم جديد، لتثبت الأيّام أن الكراسي تغيّر النفوس، فيعيد الحاكم الجديد كرّة من سبقه من حكام، فيظلم وينتهك حقوق المواطنين، على الرّغم من أنّه كان أول من ثار على ظلم الحاكم السّابق... وهكذا دواليك.

ما كانت "سبيطة" سوى أنموذج واضح لما يحدث في بعض الدول، التي تستبيح حقوق مواطنيها، استعان بها الكاتب؛ ليوصل صرخته، وما كان عيسى (مجنون سبيطة) سوى أنموذج لكلّ مواطن عربي واعٍ على مرّ العصور، عاش في الألفية الأولى والثانية والثالثة أيضا.. إلى يومنا هذا، فهو صوت الضمير الحيّ الذي يسكن بين ضلوع الأنقياء من الشعوب دون تحديد المكان أو الزمان. يمثل عيسى المواطنين المتمسكين بدينهم ومبادئهم وقيمهم من الديانتين: المسلمين والمسيحيين، هم من لا تفتنهم الكراسي. وهم من يرون ما لا يراه غيرهم، لهم نظرة ثاقبة، وواعية، ورؤيا للمستقبل، لذلك يتّهمون بالجنون.

طرح الكاتب وتساؤلاته أشبه بالمصباح الذي أضاء مساحة واسعة أمام القارىء، ليكون عونا له في استشراف المستقبل.

وكان لعاصمة العواصم: "القدس الشّريف" حضور بهيّ تخشع له النفوس.

حيث انتهت الرواية هناك.. مع عيسى " مجنون سبيطة" مع جنود الاحتلال. كانت دلالة قوية من الكاتب.

رواية رمزية عميقة، خُطّت بقلم واعٍ، ولغة رزينة. تعتبر إضافة نوعية للمكتبة العربية.

وقالت د.روز اليوسف شعبان:

سبيطة بلدة تقع في صحراء جنوب فلسطين، بناها العرب الأنباط، فهي إحدى المدن الست التي كانت تقع على طريق البخور في القرن التاسع أو العاشر، حيث كانت تتوقف فيها القوافل ثم تتجه إلى مصر أو إلى الميناء في غزة. ص 7-8.

يستحضر الكاتب تاريخ بلدة سبيطة قبل ألف عام من خلال شخصية عيسى الذي جعله مجنونا، لكنه ينطق بالحكمة والعقل، فيتراءى لنا التاريخ مثقلا بالقتل والدمار والفتنة وحب السيادة والملك والسلطة، فالحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي السادس الذي حكم في مصر من 996 م إلى 1021م، أعمل في بلاد المسلمين الدمار وزرع الفتنة بين الطوائف، وأهدى المال والذهب لابن سلمة، وهو من سكان سبيطة وأعطاه ثلاثة من رجاله، فزرعوا الفتنة في المدينة الوادعة التي كانت تنعم بالاستقرار وحياة التجارة والايمان والتآخي بين الطوائف، فقد قتل الملوخي وابن سلمة بشارة بن جريس، ورموا جثته أمام المسجد، فرآها عيسى وهمّ بانتزاع الخنجر من ظهره؛ علّه يعود للحياة؛ فرآه الشيخ نور الدين واتهمه بالقتل، وتم سجنه وأجبره الملوخي أن يعترف زورا، أن من قتل بشارة هو الشيخ حسن، فالقي القبض على الشيخ حسن وعشرة أشخاص آخرين وتمّ إعدامهم، وهجم المسيحيون على المسلمين حرقوا بيوتهم واندلع الشجار بين الطرفين" يقولون أطلت الفتنة برأسها، لكن الفتنة في سبيطة قفزت عن أسوارها، تمتطي صهوة حصان أسود جسيم، وجاست في أزقتها تنفث سموم الحقد والكراهية، وتذكي نيران الحرب" ص 52.

اهتم الكاتب بكتابة العنوان "سبيطة" قبل الأيام الأخيرة؛ بمعنى وصف الحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة قبل انهيار المدينة وخرابها، وسقوط حكّامها عن عروشهم.

تكلّلت الرّواية بسمة الخيال الخصب، الّتي صاغها الرّوائي دعيس، بسرديّته الأدبيّة السّلسة؛ والّتي تضع القارئ في حالة الانجذاب والانسياق في قراءتها من البداية حتّى النّهاية.

لاختيار الأسماء في الرّواية، لها دلالات خاصّة، مثلّا: الشيماء أطلقها على اسم البطلة الّتي خرجت عن فوانين العائلة، بهروبها مع الحبيب، ولكن المتسلّطين أبعدوه عنها، وظلّت شامخة بأخلاقها، عندما لجأت لعائلة الحنيني في القدس وعادت إلى بلدتها مرفوعة الرّأس.

الاسم الثّاني عيسى، ربّما تيمّنًا بسيّدنا عيسى عليه لسّلام، الّي تحلّى بالصّدق والإخلاص، كما أراد الكاتب للرّاوي أن يكون، بعيدًا عن الجنون.

الاسم الثّالث: لؤلؤة هو اسم ذو صفة اللّؤلؤ، الّذي يصدر لمعانًا نسبة للحكايات التي قصّها على الجمهور، فكان محط الأنظار والسّمع، مثل اللّؤلؤة.

رواية سبيطة رواية استوفت عناصر الرّواية كاملة، وتستحق القراءة، فهي ذات قيمة عليا، حبّذا لو تتم ترجمتها للغات أجنبيّة أخرى.

من الأرض والجدران والسقف ويحيطون بي يفتحون كتبهم ليقصوا علي . فأغمضت عيني وصممت أذني ونهضت؛ لأدافعهم رغم القيود التي في يديّ، "

هكذا يبقي الأمل بالتغيير والنهوض رغم كل القيود.

ولأن الكاتب هو زميل ورفيق مخلص ل " جولات مقدسية" يظهر في الرواية، كما في روايته السابقة " قبل أن يأتي الغرباء " مدى تأثره بالجولات، يظهر ذلك من خلال رحلته الى القدس ووصفه الشيق للمدينة، وما يحيطها من قرى، مثل جبل المكبر.