المصدر:معاريف- روبيك روزنتال:8/7

 

صورت نكتاتان عسكريتان ورويتا هذا الاسبوع في نشرات الانباء. كانت النقطة الاولى رقص "طاويات الثياب" في القصبة: فقد كان هناك ستة جنود مدججين بالسلاح من رؤوسهم حتى أخامص أقدامهم يقفزون على أنغام أغنية "تك توك" التي أسرت العالم. وكانت النكتة الثانية التي كشف النقاب عنها لمجموعة جنود تبنت خدمة النظافة فيها ولدا فلسطينيا في الثانية عشرة، وصورته في العمل على خلفية عناوين مليئة بالالهام في صيغة: "العرب يعملون عندنا" و "الموت للعرب".

يوجد الكثير من المشترك بين هاتين النكتتين. فكلتاهما وقعت في الخليل وهي الجبهة الاكثر حساسية وانكشافا للثلاثي: الجنود – المواطنين الفلسطينيين – المواطنين الاسرائيليين. عندما يجري الحديث عن "عمق الميدان"، تكون الخليل هي المكان الأعمق. في الحالتين قام الجنود بأعمال عن غير علم من قادتهم. ليس مجال مناورة الجنود كبيرا، حتى في مكان حساس ضاغط كالخليل قد ينشأ واقع جنود وصورة تفكير وسلوك للجنود لا تشبه السلوك في مواقع عسكرية عادية او مغلقة. في الحالتين صور الجنود الحدث، وبادروا في واقع الامر الى الواقعة من أجل تصويرها. شهدت الصورة على أنهم لم يشاؤوا العمل في الخفاء بل أرادوا ارسال رسالة إما للجيش وإما للفلسطينيين وإما للعالم وإما للاسرائيليين في حيث كانوا، الذين يعيشون بعيدا عن هذا المكان المسمى الخليل.

الى هنا التشابه، ومن هنا الاختلاف بين الحادثتين. يمكن أن ننظر الى رقص الروك في القصبة في غضب مقدس – من اليمين او من اليسار – او أن نراه ضعفا خطرا للانضباط العسكري. لكن لم يكد يسمع رد كهذا ولا حتى من الجيش. لم يكن الرقص المصور مجرد نكتة. فقد أتى القصبة بروح مدني، وبغمزة، وكلام يختلف عن السور الذي يحاولون اقامته بين "الجندي" وبين "الانسان". اصبحت البزة العسكرية للحظة ملابس تنكرية وأصبح الناس الذين يلبسونها للحظة جماعة تشتاق الى الحرية، والى المجتمع والى ملاهي المدينة الكبيرة. قالوا لنا وللعالم: برغم ما تعتقدون فينا، ليست اسرائيل اسبارطة.

وقصت النكتة الثانية قصة مختلفة تماما، عن اسرائيلية مختلفة وعما قد يحدث عندما يكون الجنود في واقع مفصول بغير توجيه أخلاقي وبغير بوصلة مدنية. وبدل أن نضحك من البزة العسكرية كما في الحالة الاولى، قد نجر الى سكر القوة غير المحدودة التي تمنحنا اياها البزة العسكرية في ظاهر الأمر. في هذا الوضع يستدخل الجندي وضع الاحتلال الذي دفع اليه او ارسل ويتبناه. ويصبح، بمقدار صغير، نوع محتل يهددنا من الداخل: أي ذلك الذي يحل له كل شيء والذي يقرن كراهية الاجانب والعنصرية الى مهمته كمحتل.

الساسة هم الذين سينهون الاحتلال – إن لم يكن في هذه الجولة او الجولة القريبة ففي احدى الجولات القادمة. وما لم يحدث هذا فسيبقى يأكلنا من الداخل والخارج. يستطيع الجيش في هذه الاثناء ان يحاول منع الاحتلال من التغلغل في وعي الجندي  الفرد وسلوكه، الذي يتعرض لسكان من غير العسكريين كروتين حياة. كان الرد على ا لنكتة السيئة التي كشف النقاب عنها في القناة العاشرة أن الجيش الاسرائيلي ينظر الى الموضوع بتشدد. رد مناسب لكن أحداثا محدودة كهذه موجودة بكثرة، ومحاربتها لا تقل أهمية عن محاربة العدو الخارجي.